هكذا اغتال الموساد الإسرائيلي فتحي الشقاقي

فتحي الشقاقي

القدس /سوا/ "نقطة اللا عودة"، هو أحد الكتُب الإسرائيليّة، التي تُحاول أنْ تصنع من الموساد (الاستخبارات الخارجيّة) أسطورة في عيون الصهاينة، ولكنّ الهدف الأبعد من ذلك، هو أنّ المؤلّف، رونين بيرغمان، المعروف بصلاته المتينة مع أجهزة الأمن في الدولة العبريّة، يسعى جاهدًا في إطار الحرب النفسيّة ضدّ العرب، لكيّ الوعي لدى أمّة الناطقين بالضاد، بهدف استدخال الهزيمة.

ولكن هذا لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال، أنّ ما جاء في الكتاب، وفي كتبٍ أخرى، ليس صحيحًا، ولكن، على كلّ قارئ عربيّ، أنْ يتذكّر بأنّ الكثير والعديد من العمليات الفاشلة كما الناجحة، كانت وما زالت، وبحسب كلّ المؤشرات، ستبقى سريّةً.

كما أنّه من الأهمية بمكان، التشديد على أنّ إسرائيل، وفي الكثير من العمليات التي نُسبت للموساد، بحسب المصادر الأجنبيّة، رفضت التعقيب وتحمّل المسؤولية، واستمرّت في انتهاج سياسة الضبابيّة، تمامًا كما تفعل بالنسبة لترسانتها النوويّة، فهي لا تنفي ولا تؤكّد، الأمر الذي يُضفي هالةً من الـ”تفاخر” والـ”تباهي” لدى صنّاع القرار في تل أبيب.

وعلى الأرجح، فإنّ صمتها المُطبق على الكثير من العمليات، نابعٌ من أجل الحفاظ على الأمن القوميّ الإسرائيليّ، من ناحية، والتملّص من القانون الدوليّ، الذي يعتبر عمليات الاغتيال، جريمةً وفق الأعراف والمواثيق الأمميّة.

بيرغمان، كشف في كتابه  رواية “الموساد” عن تفاصيل اغتيال فتحي الشقاقي، الأمين العام المؤسس لحركة الجهاد الإسلاميّ في فلسطين، في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1995، في جزيرة مالطا المتاخمة لإيطاليا، وذلك أثناء عودته من مؤتمر في ليبيا.

اليوم الأربعاء، تُصادف الذكرى الـ21 لاستشهاد الشقاقيّ. وبحسب الكتاب، فإنّ رئيس الوزراء آنذاك، يتسحاق رابين، أمَرَ في كانون الثاني (يناير) باغتيال الشقاقي في أعقاب تنفيذ الجهاد الإسلاميّ عملية بيت ليد، التي أسفرت عن قتل 22 إسرائيليًا وجرح 108.

رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، أوري ساغي، حذّر (الموساد) من الإقدام على تنفيذ عملية الاغتيال في دمشق، مؤكّدًا أنّها ستؤدّي إلى غضبٍ سوريٍّ كبيرٍ.

في بداية شهر تشرين الأوّل من العام 1995، وفقًا لرواية “الموساد”، تلقّى الشقاقي دعوةً للمشاركة في ندوة “تجمع رؤساء تنظيمات حرب العصابات” في ليبيا. وعلم “الموساد” أنّ سعيد موسى مرارة (أبو موسى) من “فتح” سيشارك أيضًا في الندوة.

مسار سفر الشقاقي إلى ليبيا كان معروفًا للموساد من خلال رحلاته السابقة، أيْ عن طريق مالطا. عندها، حسب بيرغمان، أعدّ أعضاء وحدة الاغتيالات في الجهاز “قيسارية” خطتين: اختطاف الشقاقي خلال سفره من مالطا إلى ليبيا، لكنّ رابين رفض الخطّة خشية التورط دوليًا، أمّا الثانية، فكانت تصفية الشقاقي أثناء وجوده في الجزيرة.

وتابع بيرغمان في كتابه: سافر عناصر “الموساد” إلى مالطا وانتظروا الشقاقي في المطار. لم يخرج الشقاقي في الرحلة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة. بدأ رجال “الموساد” يفقدون الأمل بهبوط الشقاقي في مالطا، لكنّهم سمعوا صوت أحد رجال “الموساد” في أجهزة الاتصال يقول: لحظة، هناك أحد يجلس جانبًا ووحيدًا. اقترب رجل “الموساد” من هناك، وقال مرة أخرى في الجهاز: على ما يبدو هذا هو، وضع على رأسه شعرًا مستعارًا للتمويه.

انتظر الشقاقي ساعة في مالطا، ومن بعدها سافر إلى المؤتمر في ليبيا، من دون علمه أنّ عناصر “الموساد” يتعّقبوه ويُراقبوه.

في الـ26 من أكتوبر، عاد إلى مالطا. وعلم “الموساد” أنَّه يستخدم جواز سفر ليبيًا باسم ابراهيم الشاويش. ولم يجد صعوبة في تحديد مكانه في مالطا، بناءً على اسمه في جواز السفر.

وصل الشقاقي في صبيحة اليوم نفسه إلى مالطا، واستأجر غرفة في فندق يقع في مدينة النقاهة “سليمة”. استأجر غرفة لليلة واحدة. كان رقم الغرفة 616. في الساعة الـ11 والنصف، خرج من الفندق بهدف التسوق. دخل إلى متجر “ماركس أند سبنسر” واشترى ثوبًا من هناك، وعرّج على متجرٍ ثانٍ  وابتاع ثلاثة قمصان.

بعد ذلك، بحس الكتاب الإسرائيليّ، واصل سيره على الأقدام، ولم ينتبه إلى الدراجة النارية من طراز (Yamaha) التي لاحقته طيلة الطريق بحذر.

بدأ سائق الدراجة الناريّة يقترب من الشقاقي حتى سار إلى جانبه محتسبًا كل خطوة. أخرج الراكب الثاني، الذي كان جالسًا وراء السائق، أخرج مسدسًا من جيبه مع كاتم للصوت، وأطلق النار على الشقاقي. ثلاثة أعيرة ناريّة في رأسه حتى تأكّد من أنّه لن يخرج حيًّا من هذه العملية.

وكشف الكتاب النقاب عن أنّه تمّ لصق جيب لالتقاط الأعيرة النارية الفارغة، لتفريغ منطقة الجريمة من الأدلّة وتجنب التحقيقات، وذلك لإبعاد الشبهات المؤكدة حول تورّط إسرائيل. وتمّت عملية تخليص العملاء، لكنّ المؤلّف لم يكشف عنها بتاتًا.

وبحسب الكتاب، فإنّ الموساد اعتبر عملية اغتيال الشقاقي إحدى أنجح العمليات التي قام بها، ولكن بالمُقابل،

أدخل الدولة العبريّة في حالة من التأهب القصوى بعدما وصلت إنذارات بعمليات تفجيرية.

وفي العام 2010 نشرت صحيفة (يسرائيل هايوم)، المُقربّة جدًا من رئيس الوزراء الإسرائيليّ الحاليّ، بنيامين نتنياهو ، نشرت تقريرًا عن عملية الاغتيال، جاء في مقدّمته: تصفية الشقاقي، طبيب الأطفال، الذي اختار الإرهاب، مسّت بشكل أساسيّ بحركة (الجهاد الإسلاميّ)، وهي الحركة الدمويّة جدًا، التي أسسها الشقاقي بنفسه.

وبحسب، المصادر التي اعتمدت عليها الصحيفة، فإنّ حركة (الجهاد الإسلاميّ)، كانت السبّاقة، قبل حماس ، في تحويل الصراع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ إلى حربٍ دينيّةٍ، على حدّ تعبيرها.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد