بالقدر الذي قلنا فيه على هذه الصفحة، الأسبوع الماضي: إن عقد مؤتمر «فتح» السابع هو ضرورة وطنية بامتياز، فإنه حاجة فتحاوية أيضاً. مؤتمر «فتح» السابع ليس مقياساً لتوجهات حركة «فتح» فقط بل هو باروميتر لقياس توجهات الحركة الوطنية الفلسطينية، ليس لما تشكله «فتح» من تنوع وثراء، وليس لأنها عامود الخيمة، وليس لأنها التنظيم الطليعي والأكبر، بل إلى جانب كل ذلك، لأن «فتح» تشكل التعبير الأكثر بساطة وبلاغة عن الحالة الوطنية الفلسطينية، وهي الأكثر استجابة للتطلعات الوطنية. بهذا المعني فإن عقد مؤتمر «فتح» السابع كما قلنا سابقاً هو ضرورة وطنية تنبع من صميم تصويب البوصلة الوطنية وتوجيهها نحو المستقبل. وهذا الارتباط بين الحالة الفتحاوية والحالة الوطنية هو في جوهر دور «فتح» الريادي وموقعها في قيادة دفة السفينة. وحين يكون عقد المؤتمر ضرورة وطنية فإن مثل هذه الحالة نابعة بالأساس من كونه ضرورة فتحاوية، إنها الضرورة التي تتمأسس وترتكز على التفاعل الكبير بين الحالة الفتحاوية والحالة الوطنية. فالسياق الفتحاوي العام هو الخط البياني الذي يرسم تمظهرات الحركة الوطنية ويساهم في تحديد توجهاتها. وليس هذا مرة أخرى نابعاً من مكانة تفرضها «فتح» على الحالة الوطنية بقدر كونه ترجمة لمكانة «فتح» ودورها ومقدرتها على ترجمة الأهداف الوطنية وحتى استشفاف الغضب والقلق في الشارع. وعليه فإن «فتح» للعمل وفق مقتضيات تلك الحاجة الوطنية التي تجعل من عقد المؤتمر السابع مطلباً وطنياً يحدد أهمية كونه مطلباً فتحاوياً وضرورة وحاجة فتحاويتين.
فالمؤتمر السابع هو حاجة وضرورة. هو حاجة فتحاوية لأن «فتح» بحاجة لعقده بعد سبع سنوات من عقد مؤتمرها السادس الذي تم في آب من العام 2009 والذي بدوره جاء بعد عشرين سنة من عقد المؤتمر العام الخامس في العام 1989.
يمكن تلمس عشرات التحولات المهولة التي طرأت في الزمن الفاصل بين المؤتمرين، وهي تحولات تقتضي من «فتح» انتباهاً كبيراً حتى تتمكن من تجاوز آثارها. وهي تحولات تبدأ بالسياق الإقليمي العام وما ترتب على ما بات يعرف بالربيع العربي من تفكيك لبعض الدول العربية وانشغال القوى الإقليمية بالحروب الدائرة في الجوار وتنتهي بانتهاء عملية السلام وتراجع فرص إحيائها في الوقت القريب.
ارتبط بذلك الكثير من التطورات التي تبدو «فتح» بحاجة لأن تلتفت لها والتي تتعلق بالمستقبل الوطني في ظل استمرار الانقسام وتعثر فرص تحقيق الوحدة الوطنية وحتى فشل حكومة الوفاق بعد الاتفاق مع « حماس » واستمرار سيطرة الأخيرة الكاملة على غزة ، وتصاعد حملات المقاطعة لإسرائيل وهبة القدس والاشتباك اليومي مع الاحتلال والإنجازات الدبلوماسية الكبيرة التي حققتها القيادة في السنوات الأخيرة بدءاً من الاعتراف بفلسطين عضو غير كامل العضوية وانتهاء بقرار اليونيسكو الأخير الذي شكل صدمة لإسرائيل لمساسه بمكان مهم مثل المدينة المقدسة.
كل تلك هي ضرورات فتحاوية بامتياز. فـ»فتح»، تنظيم الجماهير وهي القادرة على التعبير عن تطلعاتها يجب أن تمتلك دائماً الإجابة الشافية، أو على الأقل الإجابة الأقرب لوعي الناس وفهمهم للأمور، و»فتح» يجب أن تكون الأكثر استجابة للتهديدات التي تحيق بالمستقبل الوطني، ولا يمكن لها ترك الأمر للآخرين. فإذا عرفت «فتح» الإجابة عرفها الكل الوطني، ولا يمكن لها أن تجهل الإجابة أو أن تعوزها المقدرة على المبادرة.
المبادرة التي هي في صميم الفعل السياسي الذي تقوم به «فتح»، وهي من صاغته في السياسة الفلسطينية منذ انطلاقتها وحملها للسلاح في زمن الردة والتخاذل العربي ورهن القرار الفلسطيني للعواصم. ولأنها كذلك فإن «فتح» بحاجة لأن تستعيد زمام المبادرة في كل القضايا المطروحة وتقدم لها إجابات حقيقية، لا تقع في فخ البلاغة والصياغة والدبلوماسية والمقاربات الحذرة، وإن كانت بحاجة للحذر.
وإذا كانت «فتح» بحاجة ماسة للنظر إلى كل هذه التحولات وتأملها وفق مقاربات جديدة، فهي أيضاً بحاجة للانتباه لوضعها الداخلي. فوضع «فتح» الداخلي أيضاً أحد أهم ضرورات عقد المؤتمر، خاصة بعد محاولات بعض قيادات «فتح» خطف «فتح» ورهنها لرباعيات وخماسيات وسداسيات. لم يكن يوماً الصراع في «فتح»، بل الصراع على «فتح». الصراع الذي تديره قوى خارجية تبدأ بإسرائيل وتنتهي بأطراف الكون لحرف مهمة «فتح» عن طريقها الأساس الذي صاغه آباؤها الأوائل، حتى لو كان حجم المنجز ليس بقدر الصياغات التعبوية الأولى، لكنه جزء أساس من تحقيقها. الصراع على «فتح» لأن هناك من يريد أن يخطف «فتح» ويهرب بها بعيداً، وربما القضاء على «فتح».
«فتح» بحاجة لعقد مؤتمرها كي تصوب الوضع الداخلي وتعيد التجديد لهيئاتها القيادية وتصلب عودها في ظل محاولة تفكيك الحركة من خصومها الذين باتوا خارجها. وهذا بدوره لا بد أن ينسحب على المنظمات القيادية القاعدية أيضا لإفشال محاولات حرف انتباه «فتح» وأبنائها عن مهمتهم الأساس وتشتيت ولائهم.
«فتح» التي تخلصت في السابق من الكثير من الدرنات والتشوهات والطحالب التي علقت بجسدها والتي حاولت سرقتها في السابق، قادرة هذه المرة، بالعمل الجاد على مؤتمرها، على أن تتخلص من كل ما علق بها في المرة السابقة، لكنها بحاجة للكثير من الحذر حتى تستطيع اجتياز المرحلة بطمأنينة وثقة.
«فتح» تقدر ليس لأنها قدرت في السابق فقط، بل لأن كيمياء العمل الفتحاوي تتفاعل بطريقة عجيبة عندما تشعر «فتح» بالخطر والتحدي. إنه التحدي الذي يجب أن تأخذه «فتح» على محمل الجد حتى تدخل عامها الجديد بالكثير من الخطط والبرامج التي تعني التفاتات عميقة وجذرية للوضع الفلسطيني في الشتات ولـ»فتح» في قطاع غزة بجانب الاشتباك السياسي الذي سيتصاعد مع إسرائيل في ظل حكومة اليمين الإسرائيلية، وتمكين الشعب الفلسطيني لمواجهة الاستيطان والجدار وتقوية صموده في مواجهة كل ذلك.
«فتح» تقدر. إنها ضرورة فتحاوية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية