بداية، استهجنت قيام مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالعنف ضد المرأة وضع مقدمة مشتركة للتقرير الصادر عن حالة النساء الفلسطينيات والإسرائيليات، مع العنف الاجتماعي، وذلك في أعقاب زيارة قامت بها لفلسطين المحتلة بعد انقطاع طويل لزيارة المقررة الخاصة للعنف ضد المرأة، تمسكاً من قبلي «بكليشيه» الدولة الفلسطينية المستقلة. بعد امتصاص الصدمة، وجدت أن إصراري على «الكليشيه»، توقعني في شر أوهامنا الاعتيادية، إطلاق الاسم على غير مسماه، دولة بلا وطن، بلا حدود، بلا يقين.
لقد قامت المقررة الخاصة «دوبرافكا سيمونوفيتش» بوضع ثلاثة عناوين لتقريرها الذي سيقدّم للجمعية العمومية. الأول: ملاحظات أوّلية على العنف في إسرائيل، والثاني: أثر الاحتلال على المرأة، والثالث جاء تحت عنوان: تقرير عن الأرض الفلسطينية المحتلة/ دولة فلسطين. سنلاحظ أن العنوان الثاني الخاص بأثر الاحتلال على الفلسطينيات مدمج بالجزء المسمى بالملاحظات الأولية على العنف في إسرائيل. 
للحقيقة، لا أجد تفسيراً للشكل الذي جاء عليه التقرير المدمج؛ سوى إقرار وتعبير عن قناعة المقررة الخاصة للعنف ضد المرأة، بارتباط تصاعد معدلات العنف الاجتماعي بتصاعد وتيرة عنف الاحتلال، خاصة بعد ثلاث حروب على غزة ، وتصعيده جميع أشكال العنف والقمع في الضفة الغربية ضد المجتمع الفلسطيني وانعكاساته وعلاقته بالعنف الاجتماعي المرأة.
أشارت المقررة في تقريرها، إلى تأثير طول أمد الاحتلال واستمرار الصراع والعنف، على تكريس الترابط بين العنفين، القومي والمحلي، عنف محلي يتغذى على استمرار وتعمق العنف القومي. لتقع المرأة تحت إرهاصات طبقات من العنف، تدفع البعض إلى مقاومة التغيير الاجتماعي دفاعاً وهمياً عن الهوية الثقافية أمام الاحتلال، الموروث والعادات والأعراف السلبية، والمرأة أحد أركانها.
أتساءل عن الطريقة التي تم بموجبها تركيب التقرير، وعن السبب الذي جعل المقررة الخاصة تقوم بإلحاق العنوان الثاني الخاص بأثر الاحتلال على المرأة بالملاحظات الأولية على وضع المرأة في إسرائيل، عوضاً عن إلحاقه بالتقرير الخاص بالمرأة تحت الاحتلال / الدولة الفلسطينية، وهو مكانه الطبيعي وجزء لا يتجزأ من التقرير عن المرأة في فلسطين. 
للموضوعية، أعطت المقررة الخاصة موضوع أثر الاحتلال على النساء حقه؛ بشكل كامل، لقد قابلت الضحايا واستمعت إلى شهاداتهن إضافة إلى استماعها لعروض المؤسسات النسوية والحقوقية أثناء تنقلها بين المناطق، وشاهدت بأم عينها مناطق الاستيطان والجدار في القدس «الشرقية» والخليل و بيت لحم و رام الله وأريحا.
لقد تعرضت السيدة سيمونوفيتش في تقريرها لأثر هدم البيوت وتقييد حرية الحركة على المرأة، وغياب الأمن والاستقرار عن حياتها ووقوعها تحت التهديد الدائم، الأمر الذي يدفع النساء في المناطق الأكثر تهديداً إلى النوم بملابس الخروج خشية من المداهمات الليلية. 
كما استعرضت المقررة الآثار الخاصة على النساء المقدسيات، بسبب منع حرية الحركة على الحواجز، والإغلاقات، وتكييف القوانين لخلق التعقيدات أمام الاستقرار في العاصمة «القدس»، التهجير، والنزوح، وسحب الهويات، وتبعات الزواج المختلط جغرافياً، من أجل تفريغ القدس وتطهيرها من سكانها الأصليين. 
لكن الملاحظة على تخصيص أشكال عنف الاحتلال بالمناطق المصنفة (ج) والقدس وغزة، يجعل القارئ يعتقد أن النساء في المناطق المصنفة (أ) و(ب) أو مناطق السلطة لا تطالها يد الاحتلال العدوانية وبطشه، وهذا أمر مجافٍ للواقع تماماً.
أما بالنسبة للعنف الواقع على النساء في إسرائيل وفقاً لتقريرها، فلا بد من ملاحظة أن المقررة استقت معلوماتها أكثر من خلال الاستماع للمستوى الحكومي، ومن خلال القوانين ووزارة العدل وبعض اللقاءات للنساء البدويات وفي الملاجئ.  
ما يهمني في الجانب الإسرائيلي من التقرير، هو عدم تعرضه لتقصير إسرائيل المقصود تجاه المرأة الفلسطينية في مناطق 48، حيث تحدث التقرير عن السياق والظروف الاجتماعية بمعزل عن السياق السياسي، فليس من إشارة إلى اتباع سياسة التمييز القومي والطبقي ضد المجتمع الفلسطيني وكذلك باقي الإثنيات. إنه نهج إسرائيلي يتكرّس بالقوانين والتشريعات والإجراءات، وسبب رئيس في ارتفاع معدلات العنف في الوسط العربي الفلسطيني. 
هل لي أن أستنتج، أن المقررة الخاصة وصفت تقريرها بالأولي في الجزئية المتعلقة بالعنف ضد المرأة في الرئيس! أم أنها خشيت من إطلاق تهمة معاداة السامية الجاهزة دائماً، رصاصة في بيت النار؟
في كل الأحوال، بضع أيام غير كافية للإحاطة بجميع أشكال العنف الممارس ضد النساء الفلسطينيات، فالمذكور أقل كثيراً من الواقع ويحتاج إلى استكمال، لا سيّما بعد انقطاع زيارات المقررة الخاصة منذ العام 2005.
لذلك، مع كل المعلومات الواردة، يمكن وصف التقرير بالسريع.. لزيارة قصيرة غير معمقة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد