2014/08/28
غزة / سوا/ بعيدا عن خطابات النصر التي يدعي تحقيقها كل طرف على الطرف الاخر ، و بعيدا عن التسخيف في الانجازات او تضخيمها ، حيث كل طرف ، و هذا امر طبيعي جدا ، و "بعيدا عن ان اي موضوعيه" يسعى الى اظهار انجازاته و اخفاء اخفاقاته خاصة عندما يدور الحديث عن معايير ضبابية للنصر و الهزيمة.ما هو اكيد ان هذة الحرب او المعركة التي استمرت واحد و خمسين يوما لن تحسم لصالح اي من الطرفين و ان كلاهما لم يحقق الاهداف التي وعد بتحقيقها قبل الحرب و خلالها، و ان تم الادعاء غير ذلك، و من استمع الى التناقض الهائل بين خطابات النصر من غزة و تل ابيب يدرك اننا ما زلنا في المربع الاول ومن غير المتوقع ان تسهم المفاوضات غير المباشرة التي من المفترض ان تبداء في القاهرة خلال الايام و الاسابيع القادمة في تغيير هذا الوضع. لان ما لم تأخذه اثناء الحرب لن تحصل على اكثر منه على طاولة المفاوضات.
لا تستطيع اسرائيل التي تمتلك رابع اقوى جيش في العالم ان تدعي بأنها انتصرت او حققت اي انجاز ، و من يستمع الى الجدل الداخلي الاسرائيلي يدرك ان غزة بأمكانياتها المتواضعه و البسيطة جعلتهم يقفون حائرين مترددين يحسبون الف حساب لكل خطوة قبل ان يتخذوها ، خاصة عندما يكون الحديث عن عمليات برية يفقد فيها الجيش الاسرائيلي تفوقه التكنولوجي و الجوي والبحري، و ان عدم اتخاذ قرار بالدخول البري الشامل و اقتصار ذلك على دخول محدود و من ثم الانسحاب هو ناتج عن تقديرات بان خسائرهم في الارواح ستكون فادحه بحيث لن يكونوا قادرين على تحملها.
ان احد المؤشرات للاخفاقات الاسرائيلية في هذه الحرب هو استمراراها لهذة المدة الطويلة مما يتناقض مع احد الركائز الاساسية لنظرية الامن الاسرائيلي بعدم الدخول في حروب طويلة او حروب استنزاف.
ان تفرض عليهم غزة معركة تستمر لواحد و خمسين يوم دون تحقيق اي انجاز ملموس فهذا امر لا يمكن اخفائه او تبريره، يستطيعون ان يدعوا انهم كبدوا المقاومه خسائر فادحه في الارواح و المعدات و دمروا مخزون الصواريخ و قواعد الاطلاق و عززوا قوة الردع ، كل هذه الادعاءات ستسقط امام حقيقة ان استمرار اطلاق الصواريخ و القذائف حافظ على وتيرته حتى اللحظات الاخيرة و هو كان عبارة عن رسالة غزة للاسرائيليين ان امكانياتنا ما زالت موجودة و ان الردع الذي تتحدثون عنه قد يفيد في اماكن اخرى لكن ليس في غزة.
المؤشر الاخر من مؤشرات الاخفاق الاسرائيلي هو انه و لاول مره منذ العام ثمانية و اربعين لا يضطر الفلسطيني ان يترك بيته او يهجر لوحده ، بل ان الطرف الاخر قد اضطر ايضا لترك بيته ، خاصه في المناطق الحدودية و يتردد بالعودة اليها حتى بعد توقف الحرب. صحيح الاعداد ليس هي نفسها و الخسائر في الارواح و الممتلكات غير قابلة للمقارنه و لكن سيبقى عالقا في ذاكرة الاسرائيليين ان غزة المحاصرة و الضعيفة استطاعت ان تكون خصما عنيدا لاقوى دولة في المنطقة ، و لولا توقف الحرب لما ذهب اولادهم ايضا لمدارسهم ليتساووا بذلك مع اولاد غزة.
اضافه الى ذلك ، وهذا كان متوقعا ايضا، تأثر الاقتصاد الاسرائيلي بشكل مباشر من هذه الحرب، الخسائر فادحه جدا في قطاعات كثيرة أهمها السياحه، اضافه الى تكاليف الحرب الباهظه و التداعيات المباشرة على قطاع العقارات التي اصيبت بالركود، و الاهم من ذلك كله التشويش على حركة الملاحه الجوية الناتج عن توقف الكثير من شركات الطيران الاجنبية استخدام مطار اللد.
مع ذلك تفاخر نتنياهو امس بانه لم يلبي اي مطلب من مطالب المقاومه، قال " طلبوا ميناء و مطار لم نوافق ، و طلبوا اطلاق سراح محرري صفقة شاليط و لم نوافق ، طالبوا بوساطه قطرية و تركيه و لم نوافق، لم نوافق لهم على اي مطلب" . قد يكون كلامه صحيح حتى الان ، حيث وفقا للتفاهمات التي لم يوقع عليها احد و الضامن الوحيد لها الراعي المصري هو ان مفاوضات سيتم اجراءها خلال الشهر يطرح فيها كل طرف ما يشاء. الجانب الفلسطيني سيطرح الميناء و المطار و اطلاق سراح المعتقلين، و الجانب الاسرائيلي سيطرح بالمقابل اعادة جثث او اشلاء جنوده و نزع السلاح مقابل الاعمار و الميناء و المطار.
ما الذي يمكن ان يفهم من ذلك؟ يمكن الاستنتاج ان هذه الحرب من الناحية العملية لم تغير اي شيء من الوضع الذي كان قائما قبل ان تبدأ سوى حجم الدمار الهائل الذي تركته في غزة و معه الاف الشهداء و الجرحى و المشردين، و ما خلفته من خسائر في الجانب الاسرائيلي، سواء كان في الارواح او الممتلكات او من تشويش للحياة في كافة المناطق الاسرائيلية، خاصة محيط قطاع غزة.
قد تكون هذه الحرب هي الحرب الاخيرة اذا ما تغيرت الظروف و الشروط التي كانت سببا مباشرا في نشوبها.
كل التهديدات الاسرائيلية ، بما في ذلك اعادة احتلال غزة مرة اخرى، و كذلك التهديد بالرد بكل عنف على اطلاق اي قذيفه او صاروخ من غزة باتجاه اسرائيل، او تشديد الخناق على فصائل المقاومه في غزة، كل ذلك ليس هو الذي سيردع او سيمنع الانفجار القادم ، بالعكس هذا هو الذي سيعمل على استقدامه.
لكي تكون هذه الحرب هي الحرب الاخيرة يجب تغيير الظروف الانسانية و الاقتصادية التي يعيشها الناس في هذا الجزء الصغير من العالم. الاسرائيليون يعتقدون ان الناس في غزة لا تكترث للحياة و لا تبحث عنها .
ربما هذا صحيح الان لانه لا يوجد حياة طبيعية في غزة ، و لان غزة و اهلها معزولون عن العالم و لان معابرها مغلقة من كافة الجوانب و الاتجاهات و الارتفاعات، و لان البطاله مستفحله بحيث تفقد الناس طعم الحياة ، و لان المريض يموت قبل ان يحصل على تصريح او اذن بالوصول الى المستشفى للعلاج، و لان الشباب يضيع عمره و هو ينتظر بلا امل فرصة عمل، و لان اهل غزة لهم اجراءات خاصة في السفر و على المعابر الحدودية للدول يحتاجون الى اذن خاص في المغادرة و العودة ، هذا لمن يحالفه الحظ و يستطيع ان يغادر هذا السجن الكبير، و لان هناك امهات و زوجات و اباء و ابناء محرومون من رؤية او لقاء او الحديث مع ذويهم لسنوات على الرغم انهم لا يبعدون عنهم سوى ساعه او ساعتين سفر ، و اللقاء يتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
لكي تكون هذه الحرب اخر الحروب يجب ان يتم معالجة مشكلة الكهرباء التي ارهقت و ازهقت ارواح الناس، و حل مشكلة المياه التي تقول كل التقارير انه لن يعود في غزة بعد عدة سنوات اي قطرة ماء صالحه للشرب.
و لانه و بعد هذه الحرب اظيفة مشكله اخرى هي ام المشاكل، وهو اعادة اعمار غزة. لكي تكون هذه الحرب اخر الحروب يجب التوقف على التعامل مع غزة على انها جزء منفصل عن باقي الوطن ، بل هي جزء اساسي غير منفصل عن قضيته و نظامه السياسي .
اتركوا جانبا ما يقوله نتنياهو و ما تقوله حماس و ما تقوله السلطه، و ما تقوله مصر او تقوله قطر او تركيا، كل طرف له الحرية ان يرى الامور كما يريد و يسعى الى توجيهها بالاتجاه الذي يريد، ولكن يجب ان تدرك اسرائيل بأن "غزة لن تترككم تعيشون حياة طبيعية طالما الناس لا يعيشون حياتهم الطبيعية كباقي البشر" واذا لم تتغير هذه الظروف فأنه و بكل اسف لن تكون هذه المواجهه هي الاخيرة و ان موعد الجولة القادمة سيحددها مدى التغيير الذي سيجري هناك، خاصة سرعة الاعمار و فك الحصار.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية