يمكن القول بكثير من الثقة، بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، بنيامين نتنياهو ، هو أكثر رئيس حكومة إسرائيلية تعامل مع السلطة الفلسطينية، نظراً إلى أنه قد تربع على مقعد رئاسة الحكومة الإسرائيلية، حتى الآن، أكثر من عشر سنوات، فيما شغل منصب وزير الخارجية ومن ثم وزير المالية في عهد أرئيل شارون، مدة ثلاث سنوات، وذلك يعتبر أكثر من نصف الفترة التي قضتها السلطة الفلسطينية منذ تشكيلها عام 1994، حتى الآن.
فمن بين نحو اثنين وعشرين عاما، انقضت على تشكيل السلطة بعد اتفاقات أوسلو، شغل رؤساء الحكومات الإسرائيلية من اليمين وتحديدا من حزب الليكود أكثر من 80 % من الفترة، فيما لم يشغل رؤساء الحكومات من اليسار، أو من حزب العمل بالتحديد _ اسحق رابين، شمعون بيريس وأيهود باراك، أكثر من 4 سنوات، أي أقل من 20 % من الفترة.
وهذا يفسر بشكل جلي السبب الرئيسي لفشل أوسلو، بالنظر أيضا إلى انه حتى باراك كان معارضا لأوسلو، لذا فمن الطبيعي أن لا ينتهي المشروع، الذي بدأ بإقامة السلطة الفلسطينية كسلطة حكم ذاتي محدود، تفاوض الجانب الإسرائيلي لمدة خمس سنوات، تنتهي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67، بعد الاتفاق على حلول للملفات الخمسة التي اعتبرت ملفات الحل النهائي، وهي القدس والحدود واللاجئين والمستوطنات، والمياه، وتحول المؤقت إلى دائم، بالرغم من مرور 22 سنة وليس فقط خمس سنوات، كما نص الاتفاق بين الجانبين عام 94 .
كانت المفاجأة الأولى التي جعلت من جلوس نتيناهو على مقعد رئيس الحكومة الإسرائيلية، مباشرة بعد رابين _ بيريس، منذ عام 1996، كابوسا على طرفي اتفاق أوسلو معا، ورغم أن " شريك عرفات " في اتفاق أوسلو اغتيل على يد التطرف الإسرائيلي، ونقصد بذلك رابين، فيما سقط بيريس في الانتخابات التي قام بتبكيرها بنفسه، وكان النظام الانتخابي الإسرائيلي ينتخب رئيس الحكومة مباشرة من الشعب، مما يمنحه صلاحيات "رئاسية" أوسع من صلاحيات رئيس الحكومة الحالية، إلا أن إصرار عرفات على تنفيذ أتفاق الخليل، بعد واي ريفر عجّل في إسقاط نتنياهو، ومجيء آخر رئيس حكومة من اليسار، ايهود باراك عام 1999 .
عودة شارون واليمين مهدت عمليا رغم مرور الوقت بعودة نتيناهو، بعد رحيل شارون، وتولي اولمرت ومن ثم ليفني لرئاسة الحكومة، حتى العام 2009، حيث من ذلك الوقت وهو يواصل التربع على المقعد، بعد أن حفظ الدرس جيدا، ولم يقدم على التوغل التفاوضي مع الجانب الفلسطيني، حتى لا يكرر ما حدث معه عام 1999 . 
كل قوة الدنيا، إذاً لن تجبر نتنياهو على أن ي فتح باب التفاوض الجدي مع الجانب الفلسطيني، خاصة وفق آليات أو أحلام أوسلو، التي تقول بإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، حيث أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، هو الطرف الوحيد الذي تبقى من مربع اتفاق السلام  الفلسطيني / الإسرائيلي بعد رحيل القائدين رابين وعرفات، وانزواء بيريس، حيث مات سياسيا وهو حي، ولم يبق سوى أبو مازن ما زال يقارع رافضي ومعارضي الحل السياسي بين الجانبين على قاعدة إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على أراضي العام 67 .
المهم، انه وبالنظر إلى أننا _ حتى كمتابعين _ كنا نظن ونعتقد بأن الجانب الإسرائيلي حين يغلق الأبواب أمام حل الدولتين، فإنه سيواجه معضلة أن يجد حلا بنفسه، فإذا كان يرفض أو لا يحبذ التوصل إلى الحل مع الجانب الفلسطيني، وانه يفضل حلا أحاديا يقوم بتنفيذه منفرداً، كما فعل شارون بانسحابه من غزة عام 2005، أو انه حين يغلق الأبواب أمام حل الدولتين، بتقطيع الأرض، وجعل إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة أو قابلة للحياة، حسب الوصف الأميركي في سابق الأيام، فانه سيواجه حلا أسوأ وهو حل الدولة الواحدة.
الرئيس محمود عباس بنفسه تساءل غاضبا، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس الماضي، حول هذا الأمر، ويا للمفاجأة، حين جاء الرد من نتنياهو شخصيا !
في الحقيقة لم يجئ الرد عبر كلمة نتنياهو التي كانت بعد كلمة الرئيس عباس، لتفسح المجال له للرد على كلمة فلسطين، المهم، انه وبكل صفاقة هاجم مجددا الأمم المتحدة، متهما إياها بأنها اتخذت بحق إسرائيل قرارات لم تتخذ بحق احد آخر مثلها، ولم يسأل لماذا اتخذت بحق " دولته " كل تلك القرارات، أليس لأنها دولة مارقة، وخارجة عن القانون والأخلاق الدولية، وأنها فقط محمية بقوة انعدام الأخلاق الأميركية، لا أكثر ولا أقل.
الرد جاء من خلال لقاء أجراه رئيس الحكومة الإسرائيلية مع القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، وكشف من خلالها انه ابلغ الإدارة الأميركية بأنه لا خطر ديموغرافيا على يهود إسرائيل في حال قررت إسرائيل ضم الضفة الغربية، وان أي قرار مستقبلي بضم الضفة لن يؤثر على التوازن الديموغرافي اليهودي _ العربي .
هذا يعني بوضوح : أولا أن إسرائيل لا تخشى من عواقب إفشال حل الدولتين، وأنها لا ترتعد فرائصها من فكرة الدولة الواحدة، لكن مع ذلك فان حسبة بسيطة، تشير إلى أن ضم نحو ثلاثة ملايين فلسطيني ( سكان الضفة الغربية دون غزة ولاجئي الشتات ) لنحو مليون ونصف من سكان إسرائيل حاليا، يكذب ما يقوله نتنياهو، إلا في حال أن الضم اقتصر على ضم الأرض دون السكان، في تطبيق أو تأبيد لحل الحكم الذاتي القائم حاليا ! وبإقامة نظام فصل عنصري، يجعل مثلا من المواطنين الفلسطينيين مواطني دولة أخرى مقيمين على ارض دولة أخرى بلا حقوق سياسية، الأمر يستحق التمعن جيدا، وليس من الحكمة السياسية في شيء، تركه  يمر هكذا، دون تفكير وتمحيص ومن ثم اتخاذ الإجراءات المضادة.


Rajab22@hotmail.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد