تتركز الاهتمامات الفلسطينية على جوانب الصراعات الداخلية الفلسطينية إزاء الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها الشهر القادم.
هذه مسألة طبيعية لأن الاحتلال ليس لديه أجندة مباشرة لإفشال الانتخابات حتى الآن، وهو يرى أن الأمور ما زالت في إطار لا تضطره إلى التدخل لإفشالها.
لا يستطيع الاحتلال أمام المجتمع الدولي منع هذه الانتخابات من دون «ذرائع كافية»، وهو لا يجدها حتى الآن. وربما أن الاحتلال نفسه يسعى لعدم فشلها أو إفشالها.
كيف ولماذا؟
فإذا كان الاحتلال يهدف إلى تحقيق استراتيجية «التعامل المباشر» مع السكان الفلسطينيين بهدف خلق أجسام سياسية مغلّفة بالبعد الاجتماعي أو أجسام اجتماعية مغلّفة بالبعد السياسي فإن إجراء الانتخابات يشكل فرصة خاصة لتحقيق هذه الاستراتيجية أو العمل على تحقيق ما يمكن تحقيقه منها.
الانتخابات البلدية في الضفة فرصة أوسع وأكبر من الانتخابات في قطاع غزة على هذا الصعيد.
هنا سيبدأ الاحتلال التعامل مع الهيئات المنتخبة على أنها هيئات تمثيلية إلى حدٍّ ما، أو «تتدرّج أهميتها ودورها نحو الدور التمثيلي بقدر ما يراه الاحتلال ممكناً ومتاحاً.
وسيبدأ الاحتلال كما يبدو لنا حتى الآن التعامل مع هذه الهيئات بصورة انتقائية بين مدينة وأخرى، وبين قرية وأخرى وبين تجمّع وآخر في محاولة لخلق «شرخ» سياسي ما بين هذه الهيئات وما بين القيادات السياسية الرسمية.
كما سيسعى الاحتلال من خلال هذه السياسة الانتقائية إلى خلق «حالة تنافس» خبيث ما بين هذه الهيئات نفسها طالما أن الاحتلال سيقدّم «مزايا» خاصة لتلك الهيئات التي ستبدي هذه الدرجة او تلك من الاستجابة لهذه السياسة.
وفي كل الأحوال لا يراهن الاحتلال على تحقيق هذه الاستراتيجية دفعة واحدة وعلى الفور وإنما ـ وهذا هو الأرجح ـ العمل بصورة موازية على إضعاف القيادة الوطنية الرسمية والشرعية لكي يصبح «البديل» المتاح هو البديل البلدياتي من الناحية الواقعية.
يستطيع الاحتلال أن يلعب هذه الأوراق وهذه السياسة بدرجة أعلى في المناطق (ج) وبدرجة أقلّ في المنطقة (ب) وبدرجةٍ أقلّ بكثير في المنطقة (أ).
وهو يستطيع أن يلعب هذه الأوراق وهذه السياسة بصورة مختلفة في قطاع غزة وذلك عَبر الخنق والتضييق على الهيئات المنتخبة الرافضة لهذه السياسة في حين سيبدي نوعاً من «التساهل» مع الهيئات التي لا تبدي مثل هذا الرفض.
المهم أن الاحتلال في نهاية المطاف يريد من هذه الانتخابات أن تكرّس الانقسام، وأن لا تشكّل بأيّ حال من الأحوال مدخلاً لإنهاء الانقسام، كما يراهن الناس ويعلّقون الآمال. 
والمهم، أيضاً، أن يحدث في الحالة السياسية الوطنية العامة ـ بكل ما هي عليه من إرباك ـ إرباكات جديدة لعلّ أهمها المراهنة على شروخات جديدة ما بين القيادات الرسمية والهيئات المنتخبة، ثم إعادة توظيف العائلية والعشائرية والحمائلية لتكون جزءاً من استراتيجية الاحتلال وفي خدمة مخططاته العامة.
هذا ما يهدف إليه الاحتلال من خلال هذه الانتخابات،. فأين نقف نحن من هذه الاستراتيجية، وكيف لنا أن نكون لها بالمرصاد فعلاً وليس قولاً فقط؟
الحلّ سهل وبسيط إذا كان لدينا كلّنا الإرادة السياسية لمجابهة الاحتلال.
ففي المقام الأوّل يجب أن تتم هذه الانتخابات وفي موعدها، ويجب أن تنجح بكل المعايير الديمقراطية المعروفة. كما يجب أن نعتبرها استحقاقاً وطنياً وشعبياً على أعلى درجات الأهمية.
وأما في المقام الثاني، فإن مجابهة استراتيجية الاحتلال تتطلب أن نحوّل هذه الانتخابات إلى مدخل مباشر لإنهاء الانقسام وذلك على صعيدين اثنين:
الصعيد الأوّل، هو انخراط كافة الهيئات المنتخبة في كل مدينة وقرية وتجمُّع في اطار استراتيجية وزارة الحكم المحلّي الواحدة الموحّدة بغض النظر عن التركيبة السياسية أو الاجتماعية لهذه الهيئات، وعدم إعطاء أية فرصة لأية هيئة من الهيئات الخروج عن هذا الانخراط، واعتبار الخروج عن هذا النهج بمثابة تمرّد على القانون والشرعية، والتعامل مع هذه الهيئات من على هذه القاعدة وعلى هذه القاعدة فقط دون أي استثناء.
والصعيد الثاني، تحقيق أعلى درجة من الاستقلالية المالية لهذه الهيئات عَبر دعم الحكومة وموازنة السلطة لهذه الهيئات على قدم المساواة.
ذلك أن من شأن هكذا دعم وبهذه الطريقة أن يفوت الفرصة على إسرائيل من جهة، وعلى الجهات الخارجية والإقليمية الدولية من جهة أخرى لاستثمار «العوز» المالي والتنموي بما هو خارج اطار المصالح الوطنية.
وفي المقام الثالث، العودة إلى الاقتراح الذي شدّدنا عليه في المقال السابق وهو التوافق على القوائم.
ذلك أن التوافق الوطني على القوائم هو السدّ الذي لا تستطيع إسرائيل اختراقه، ولا تستطيع اللعب على كل ما من شأنه التأثير على تماسكه ووحدته.
فماذا بوسع إسرائيل أن تفعل إذا تم التوافق الوطني والسياسي والاجتماعي على القوائم؟
وكيف لها أن تلعب على التناقضات إذا كانت القوائم شاملة للأطياف السياسية والوطنية، وشاملة للكفاءات، وشاملة ومراعية للأبعاد الاجتماعية بما فيها الثقل العائلي نفسه؟
واذا كانت القوائم قد قُدمت فإن التوافق ما زال ممكناً، وتقديم القوائم لا يلغي التوافق إذا توفرت النوايا الوطنية، وإذا توفرت الإرادة السياسية، وإذا كان هناك ما يكفي من الوعي لمجابهة الاحتلال.
لا نستطيع أن نتوقع انتظار الاحتلال نتائج هذه الانتخابات دون التدخل فيها.
ولا يمكن لاحتلال من هذا النوع إلاّ أن يعمل على توظيفها لصالح منظومته الاحتلالية. كل هذا مفهوم ومتوقع وليس فيه أي مفاجأة.
المفاجأة أن نكون نعرف هذا كلّه ولا نعمل على مجابهته بكل ما لدينا من طاقة وطنية، وبكل ما نملك من وسائل وأدوات، وهذا هو معيار الموقف الوطني الحقيقي من هذه الانتخابات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد