سمحت السلطات الاسرائيلية بنقل حيوانات من حديقة في جنوب قطاع غزة للعلاج والإقامة خارجه وذلك من خلال مؤسسة دولية ترعى شئون الحيوانات وتهتم بصحتها، وكان سابقًا قدّم الاحتلال الإسرائيلي بنقل أسود إلى حديقة في الضفة الغربية، حيث كانت الأسود تعاني من وضع نفسي سيءٍ للغاية جراء تواجدها في غزة، مما اضطر المنظمات الدولية للتدخل والعمل على نقلها إلى أماكن أكثر لياقة لتستجم فيه.

الجدير بالذكر أن ما يقارب من مليوني إنسان في قطاع غزة يعانون من حصار يمتد لعشر سنوات أدى إلى تفشي الأمراض الكثيرة في القطاع، أخطر تلك الأمراض هو غول السرطان الذي ينهش في الأجساد دون أيّ رأفة، حيث تقول احصائيات الصحة في غزة بأن أكثر من تسعين حالة يتم تشخيصها شهريًا في مشافي القطاع، ناهيك عن التلوث الحاصل في مياه الشرب التي وصلت إلى الحد الذي لم تعد هذه المياه صالحة حتى للاستخدام الحيواني، وقد صنفت منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، في تقرير أممي صدر عنها مؤخرًا، أن قطاع غزة قد يصبح غير صالح للسكن بحلول عام 2020 في حين استمرار الأوضاع المعيشية الحالية على حالها.
 
غزة بوضعها الحالي غير صالحة للسكن منذ ما يُقارب العشر سنوات، أي منذ أن فُرضَ عليها الحصار الاسرائيلي، وتبخرت معه أحلام الناس وأعمالهم، غزة الآن لا حياة فيها بالمعيار الأدنى للإنسانية، فحتى الحيوانات لم تستطيع التأقلم مع الوضع "الحيواني" الذي يعيش فيه سكان غزة، والتي قيل أن أجوائها المناخية تُساعد على العيش الحيواني بشكل ممتاز، حتى أنها - أي الحيوانات - تتكيف سريعًا مع بيئة غزة، ولكن يبدو أن الفقر والجوع والاكتئاب والملل قد تسلل إلى الحيوانات فطلبت الاستغاثة والخلاص كي تخرج إلى حديقة أكثر قابلية للحياة، فغزة لم تعد تجذب حتى الحيوانات للعيش فيها.
 
إلى متى سنبقى بهذه العقلية الأقل من حيوانية، إلى متى نترك أنفسنا للريح تأخذنا حيث ترمي قشور الأشياء، إلى متى سنصمت عن بؤسنا وفقرنا وقلة حيلتنا، وأمراضنا النفسية قبل الجسدية، إلى متى وأحلام الشباب تموت، وأنين المَرضى يخرق حُجوب السماء ولا يصل لأذن المسؤولين.

البطالة والفقر والعوز وصل إلى كل بيت، والأمراض الاجتماعية تفشت في المجتمع بصورة مخيفة، فغزة على طول تاريخها لم ينتحر فها أحد ويشعل النار بنفسه لأنه لا يعمل ولا يستطيع أن يتكفل بمصاريفه وأهله.

يكفي فقط أن تجلس على قهوة ما أو تتنقل في الشوارع لتشاهد ذهب البلاد يضيع على النواصي وفي الجدال والمشاكل وانعدام الأمل، يكفي أن تجلس مع صيدلي ليخبرك عن حجم الإقبال على العقاقير المخدرة، والمنشطات وعقاقير الهلاوس لتعرف أن الشباب في غزة قد وصلوا إلى مرحلة اللاعودة.

لقد تملك اليأس من الجميع، واليأس لا يؤدي إلا إلى الانتحار أو الانفجار، هل علينا أن نصل إلى درجة الحيوانية في التفكير كي نستطيع الخروج من هذا المأزق، هل علينا أن نكون حيوانات في حظيرة الحزب ونمشي على أربعة وننهق وننعق ونكاكي للقائد ونتعربش في سياج كرمه كي نقنعه بأننا نستحق الحياة، نستحق الأمل، والعمل، نستحق الكهرباء، والماء النظيف، نستحق أن نسافر ونستجم ونُعالجُ مثلهُ ومثل حيوانات الحديقة.                         

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد