الأردن مقبل على انتخابات مجلس النواب الثامن عشر، يوم 20 أيلول المقبل، في ظل برود شعبي فاقع، بعد أن خاب رهان الأردنيين على دور مؤثر وفاعل ومستقل لمجلس النواب بتغول السلطات التنفيذية التي تتحكم بصياغة قانون انتخاب تجريبي غير مستقر، على قاعدة ثابتة، منذ استعادة شعبنا لحقوقه الدستورية عام 1989.
فمن قانون الصوت الواحد، إلى قانون الصوت الوهمي، إلى قانون القائمة الوطنية، إلى قانون قوائم المحافظات، ومن القائمة المغلقة إلى القائمة المفتوحة، وهكذا تجريب متتالٍ يؤدي إلى حالة إرباك لا يستطيع المواطن من خلالها فهم القانون وكيفية التعامل معه، بينما تسعى القوى المنظمة وشبه المنظمة إلى مطاردة القانون المستجد ومحاولة التكيف معه، لعلها تحظى بمكانة ما في مجلس مفترض أنه يُشرع القوانين أولاً، ومراقبة ومحاسبة السلطات التنفيذية ثانياً، ولكنه غير فالح لا في هذه ولا في تلك.
ومع ذلك، فالمؤمنون بالإصلاح التدريجي المتعدد المراحل يواصلون العمل والرهان. العمل على المستوى الوطني لمراكمة القوة والنفوذ والخبرات، والرهان على عوامل قومية ودولية مساندة تؤدي إلى دفع من الحالة الراهنة السائدة المحافظة نحو حالة أكثر استجابة لقيم العصر وشروطه الديمقراطية.
فالربيع العربي أثمر أردنياً عن تشكيل ثلاث لجان ملكية في العام 2011: لجنة تعديل الدستور برئاسة الراحل أحمد اللوزي، ولجنة الحوار الوطني برئاسة طاهر المصري، ولجنة اقتصادية برئاسة هاني الملقي. وضعت توصيات، بعضها تم تنفيذه، وأغلبها أكلها النسيان والإهمال جراء فشل الربيع العربي في تحقيق نتائج ديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وبعد استلام زمام المبادرة أحزاب التيار الإسلامي الأكثر رجعية ودموية وتسلطاً، فبات الحفاظ على القائم هو أفضل من مستجدات ليبيا وسورية والعراق واليمن وغيرهم.
شوارع العاصمة والمدن الأردنية مليئة بشعارات الهيئة المستقلة للانتخابات، وهي غير جذابة، إضافة إلى تعقيدات تشكيل القوائم في الدوائر الانتخابية، خاصة في الريف والبادية.
فتشكيل القوائم لا يتم على أساس تحالف جبهوي أو مبدئي أو مصلحة عامة، بل مصالح فئوية ضيقة، تقوم على تقديم صاحب القائمة الأقوى ورئيسها وقائدها، تقديم مغريات لشركاء أضعف منه في القائمة، مقابل التصويت له ومقابل أثمان مختلفة مادية ومعنوية يحصل عليها الشركاء، وهم مدركون سلفاً أنهم مجرد روافع، ومحللون شرعيون لشرط نجاح رأس القائمة الأقوى مالياً واجتماعياً.
شروط نجاح النائب في الأردن، بقيت كما هي وتعززت أكثر وهي ثلاثة: أولها توفر العامل المالي، فالمال هو العصب المحرك للاهتمامات والجاذب للمشاركة وهو أداة التوصيل، وثانيها العشيرة التي تجتمع على شخص وتضمن له الولاء والتبعية شريطة توفر العامل المالي لدى المتنفذ في العشيرة، وثالثها أن يكون عضواً في حركة الإخوان المسلمين، وغير ذلك، غير توفر هذه العوامل، يحتاج المرشح لعوامل استثنائية حتى تضمن له الفوز والنجاح لعضوية مجلس النواب.
المشكلة البنيوية لدى الأردنيين هي افتقادهم لأدوات منظمة تؤدي دورها وفعلها وتأثيرها في الحياة العامة، وتوجهها نحو أهدافها المشروعة في توثيق الحقوق وتحصيلها وحمايتها من التطاول والفساد، والأردنيون بهذا المعنى منقسمون إلى ثلاثة تيارات غير مؤهلة في أغلبها بما يكفي لخوض الانتخابات النيابية بشكل منظم ومنهجي يؤدي إلى تحقيق نتائج تنظيمية ملموسة، تصل إلى مستوى التطلع لقيام حكومات برلمانية حزبية، والتيارات الثلاثة هي:
أولاً: التيار المحافظ، والذي يشكل القاعدة الاجتماعية للحكم في الريف والبادية والمدن والمخيمات غير منظم، ويفتقد للمرجعية، ولا يملك برنامجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يتم تقديمه للأردنيين، وقياداته تعبت مثل عبد الهادي المجالي، وتعطلت مثل عبد الرؤوف الروابدة، وتقاعدت مثل طاهر المصري، وشاخت مثل العديد من الرموز، وهكذا هناك تيار عريض وقوي ولكنه بلا ضوابط وبلا قيادات وبلا برنامج وكأنهم موظفون يؤدون تقاسيم الوظيفة وأوقاتها ويتم إهمالهم بعد ترك الوظيفة، ويتحكم بهم وبمؤسسات صنع القرار، ما اتفق على تسميته قوى الشد العكسي التي لا ترغب في التقدم إلى الأمام، ولا تحقيق إصلاحات، ولا الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ولا تفعيل الدستور بالمعنى الحقيقي لـِ «نظام نيابي ملكي»، بل هي أدوات متنفذة معطلة لطريق الإصلاح وشبكته الاجتماعية، والعناصر التي انضوت في مؤسسات الدولة وتحت سقف العمل الرسمي من اليساريين أو القوميين أو الليبراليين أمثال مروان المعشر وخالد الكلالدة، وموسى المعايطة، وبسام حدادين، وجميل النمري وسليم الزعبي وغيرهم، ينفذون سياسات محافظة، وهم غير قادرين على تنفيذ إصلاحات جدية حقيقية يُعتد بها، على طريق رؤى وتوصيات الميثاق الوطني، والأجندة الوطنية، ولجنة الحوار الوطني، وغيرها من المحاولات الجادة التي اصطدمت بمعيقات ونفوذ قوى الشد العكسي المحافظة.
ثانياً: التيار الذي يضم الاتجاهات اليسارية والقومية والليبرالية، الأكثر وعياً وقدرة على فهم المعطيات والتعامل معها وتوجيهها سياسياً ومعنوياً. تيار من أحزاب ضعيفة لا تملك حساً جبهوياً للتحالف الجدي ونكران الذات، وأغلبه غارق في أنانيات حزبية ضيقة وغير متفاعل مع مكوناته ومع بعضه البعض، ويختلق مشاكل ومعارك وهمية مع نفسه ومع مكونات حليفة له وتترك هذه المشاكل أثراً سلبياً على حضوره، وعلى جذب قواعد مستقلة مستنيرة لصفوفه، وقد أخفق في وضع نفسه في إطار من المهابة والتقدير بسبب معاركه الداخلية وعدم قدرته على التوصل إلى جامع مشترك حقيقي يخوض على أساسه الانتخابات النقابية والبلدية والبرلمانية.
أما التيار الثالث: فهو تيار الإخوان المسلمين الذي ما زال قوياً وفاعلاً على الرغم من انقساماته وإخفاقاته المتعددة على المستوى الوطني، فلا استطاع تقديم مبادرة لقانون واحد فقط من عشرة نواب، حينما كان يملك أكثر من عشرة نواب يقدمون مشروع قانون، مثلما فشل في الحفاظ على مشروع الجبهة الوطنية للإصلاح التي جمعته مع الأحزاب اليسارية والقومية، ومع النقابات المهنية، ومع مجموعة أحمد عبيدات. كما فشل في خياراته السياسية حينما طرح شعاراً مستعجلاً يتفق مع الربيع العربي وهو «شركاء في الحكم»، ما أدى إلى عزلته وبعثرة صفوفه، انعكاساً لحالات الفشل التي أصابت مسيرة الإخوان المسلمين في العديد من الأقطار العربية، وهكذا يتقدم الأردنيون نحو الانتخابات النيابية بشكل مرتبك غير منظم، وبشكل تجريبي كما كانوا من قبل.
h.faraneh@yahoo.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية