«الحل في صندوق الاقتراع».. شعار ربما لا يقل خطورةً عن شعار «الإسلام هو الحل» الذي استخدمته خلال العقد الماضي الحركات الإسلامية، والذي كانت الأضرار الناجمة عن استخدامه لا حصر لها.
الشعار الثاني كان فيه تعميم خطير... وكأن هناك مجتمعين أو أكثر، الأول مسلم، والثاني لا علاقة له بالإسلام، مع أن الغالبية العظمى من الشعوب العربية بمجملها مسلمة. والأخطر في هذا الشعار كان الضرب على وترٍ حساس يتمثل في التركيز على العاطفة... ولكن مع ما حدث في مصر وتونس وسورية وليبيا... تبين مدى خطورة رفع هذا الشعار دون أن يكون هناك إيضاح لكيفية هذا الحل سواء على المستوى الاقتصادي أو الثقافي أو الاجتماعي، مع الأخذ بالاعتبار التغيرات الشاسعة في المجتمعات، والفجوة في كثير من المفاهيم بين الأصولية بمفهومها الضيق وغير المستوعب لأي تطور خلال 1400 سنة، وبين الحداثة وأهمية التفاعل والاندماج مع الحداثة حتى وفق الأسس الصحيحة للدين.
أما الشعار الأول، فربما يستخدم لغرض ما، أكثر من القناعة الخاصة لدى المستخدمين بأن حل الإشكاليات الفلسطينية يأتي عن طريق صندوق الاقتراع.
الانتخابات شكل أو إفراز للديمقراطية وليست أساساً لها؛ لأن الأسس الأكثر أهمية هي الدستور، أي وجود دستور يتم العمل به نصّاً وروحاً، وهو فوق الجميع، ثم الثقافة الديمقراطية القائمة على القناعة التامة بحكم الأغلبية لمصلحة الجميع، والإيمان بمنهج التعددية وتبادل الأدوار. إضافة إلى أساس رابع هو قوة الاقتصاد؛ لأن الثروة عامل استقرار للدولة والمجتمع، والعكس صحيح... حتى البلاد الأكثر ديمقراطية عندما تعرّض وضعها المالي والاقتصادي للخلل، لاحظنا تصدع مفاهيم متعددة لديمقراطيتها.
نعود للحالة الفلسطينية، ماذا نريد من الانتخابات المحلية؟ للأسف، فإن المحلّلين السياسيين وهم كثر اليوم على شاشات الفضائيات يطرحون نقطة في غاية الخطورة... وهي أن هذه الانتخابات إن جرت فستكون مقياساً لما ستكون عليه الانتخابات التشريعة والرئاسية... كيف؟!! ولدينا انقسام حاد في منطقتين جغرافيتين منفصلتين... في كل منهما نظام سياسي مختلف شئنا أم أبينا، على الرغم من وجود الحكومة الشكلية التي تظهر وكأنها حكومة الضفة والقطاع مع أنها في صلب الحقيقة غير ذلك...
ماذا لو افترضنا أن حركة بعينها حصلت على الأغلبية المطلقة، هل ستضيء النتائج الضوء الأحمر أمام الجهة المقابلة؛ ما يطيح بأي أمل لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، لأننا سنعيد تجربة انتخابات العام 2006 وربما بشكل أسوأ... ما يعني انقساماً بعقوبة مؤبّدة. 
الأمر الأخطر أنه خلال العقد الأخير تم في الضفة والقطاع تشكيل ما يمكن أن يطلق عليه «النظام العميق»، هذا النظام قائم على أساس أمني وبشكل مطلق... وأصبحت الذراع الأمنية صاحبة الكلمة الأولى... وأي محاولة لتغيير هذا الواقع منوطة بفشل ذريع.
بمعنى آخر، إذا كان الهدف هو قياس واقع... فالأفضل أن تبقى الأمور على حالها أو تعين كل سلطة رجالها ومناصريها ليتمكنوا من جمع القمامة وإعطاء رخص البناء ضمن المخططات الهيكلية وحل مشاكل الحياة شبه المستعصية، والكهرباء التي هي بين حين أو آخر سيتم قطعها عن الضفة إذا لم تسدد الديون، بمعنى أن الحال لن يكون أفضل مما هو قائم في القطاع.
أما إذا كان الهدف من الانتخابات (وهو أمر مشكوك فيه) ترسيخ شكل ديمقراطي يقبل به الجميع، حتى لو أدى ذلك إلى اقتلاع تلك الجذور التي ضربت عميقاً خلال السنوات الماضية، وأن تحل محلها مفاهيم ديمقراطية جامعة، قائمة على حق الأغلبية في الحكم والاختيار والمساءلة والمحاسبة، فمرحباً بهذه الانتخابات التي يجب أن تتبعها سريعاً الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وأن يتحمل الفائزون مسؤولية القضية الوطنية... التي أصبحت شبه مُغيّبة في الإطار الإقليمي والدولي.
لم تعد أمامنا فترة طويلة... ولكن عجلات المسيرة ربما بدأت ترتفع حرارتها وسيختلط في هذه الانتخابات السياسي مع الديني والوطني والعشائري والفئوي والطائفي... الصورة لمن يتفحصها أكثر من قاتمة، لأننا مجتمع ليس ديمقراطياً، ولكن في بداية تحوُّلات ديمقراطية ربما تنجح أو تفشل... لنا تجربة كبيرة فاشلة لا نريد أن نكرّرها... ولعل المفهوم الخدمي للانتخابات المحلية هو العامل الوحيد الذي يقلل من شأنها، ولكن نتائجها إن لم تكن متوازنة بين الأطراف كافة فإنها ستؤدي إلى تعميق الانقسام وليس إلى تعزيز الوحدة!!.


abnajjarquds@gmail.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد