خلال الأعوام القليلة الماضية، كانت القمة العربية تنعقد بحكم العادة، حيث يلتقي الملوك والرؤساء والأمراء العرب، ليظهروا لشعوبهم أنهم في حالة وفاق أو توافق، وأن هناك إطاراً يجمع العرب، درءاً لانفجار الغضب الشعبي من عدم تحقق واحد من أهم وأكثر الشعارات الأثيرة عند المواطن العربي، وهو شعار الوحدة العربية، لكن هذا العام تفاقم التدهور في حالة التوافق الرسمي، لدرجة أن ترفض المغرب الدولة التي كان مقرراً عقد القمة العربية في دورتها السابعة والعشرين، على أرضها،  قبل أيام من موعد عقدها في السابع والعشرين من آذار الماضي، فكان أن انتقل مكان القمة للدولة التالية حسب الترتيب الأبجدي، وهي موريتانيا.
موريتانيا بلاد الشنقيط، وبلد المليون شاعر، والحد الأقصى من غرب وجنوب الوطن العربي. على كل مواطن عربي أن يعرف أولاً أنها جزء عزيز وغال من الوطن العربي الكبير، وأنها مثال على تقاليد العرب في الفصاحة والبداوة والكرم والشهامة، لذا فإن عقد القمة العربية فيها يمثل فرصة لقادة رسميين _ ربما هم ليسوا كذلك في الواقع، وعلى المستوى الشعبي _ لأن يتذكروا بعضاً من تراثهم وإرثهم النبيل، وربما كان هذا _ أي بعد نواكشوط عن معظم العواصم العربية جغرافياً _ سبباً في نكوص معظمهم عن المشاركة.
منذ سنوات، وفي مثل هذه المناسبة، كنا نكتب ونقول ونتوقع بأن تكون القمة المنعقدة هي آخر قمة، نظراً لأن النظام العربي الرسمي، بات يترنح منذ سنوات، وبالتحديد منذ انفتاح بعض المجتمعات العربية من الداخل، وإسقاط بعض الأنظمة، فيما تفككت، أو على طريقها إلى التفكك، أكثر من دولة، من الصومال إلى سورية، مروراً بليبيا واليمن والعراق. والنظام العربي ما هو إلا حصيلة جمع تلك الأنظمة الملكية / الأميرية / الجمهورية، والتي كلها تشترك في نفس الصفات، والتي أهمها نظام حكم الفرد، الاستبداد، الفساد، وتوارث العرش، بما في ذلك الجمهوري! 
نظام الحكم العربي، الذي ترافق مع الإطار الجماعي المسمى الجامعة العربية، كان يهدف إلى ترسيخ نظام حكم الفرد، وترسيخ الدولة القطرية، وذلك من خلال احتواء شعارات الوحدة العربية التي كانت تبرر للبعض التدخل في شؤون الآخرين، وهكذا فإن الجامعة العربية تحولت مع الوقت إلى «نظام» يشبه النظام الملكي في بريطانيا، الدانمارك، النرويج، هولندا، أي يملك ولا يحكم، فهي تبث الوهم بوجود توافق عربي، وهي لا تشبه أبداً الاتحاد الأوروبي مثلاً، فهي لم تكن مشروع اتحادياً، بل إطاراً توافقياً، لا يفرض شيئاً على احد من أعضائه! 
اجتماع القمة القادم سيكون في اليمن، وهذا يعني أنه قد ينعقد وقد لا ينعقد، فالأمر منوط، بوجود دولة يمنية بعد عام من الآن، دولة موحدة، قادرة على توفير الأمن والحماية للوفود المشاركة على أقل تقدير، هذا ما تقرر قبل عقد القمة، أما ماذا ستقرر القمة، فلا أحد يتوقع أن يخرج عنها شيء ذو أهمية، لا على الصعيد الفلسطيني، ولا على صعيد الملفات العربية الساخنة كلها؛ نظراً لانعدام التأثير السياسي للدول العربية، فرادى ومجتمعة، والتي باتت حتى فيما يخص ملفاتها الداخلية، تعجز عن منع التدخل الخارجي فيها.
التدخل الخارجي الذي يعتبر وصمة عار على جبين قمة النظام العربي بأسره، وصل إلى ذروته بالتدخل العسكري، بل والاحتلال العسكري، الذي لم يقتصر فقط على إسرائيل التي تحتل أرض دولة فلسطين والجولان ومزارع شبعا وحسب، حيث كان النظام العربي يعلن بالفعل محاربته لهذا الاحتلال، بمشاركة كثير من الدول العربية بحروب الأعوام 48، 67، 73، العسكرية والسياسية والمالية، لكن منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، هانت بلاد العرب عليهم، فصارت أرض ليبيا، العراق وسورية مستباحة أمام جيوش وعسكر ليس فقط إيران وتركيا، كما يشير بيان وزراء الخارجية العرب، ولكن أمام أميركا وروسيا، وكل من هب ودب. 
وعكس اتجاه تلاشي دور وتأثير القمة، فإن مظاهر وأشكال التوحد على المستوى الشعبي، تظهر من خلال وسائل الإعلام الفضائي والإلكتروني، مزيداً من التوحد الشعبي، لذا فإن نظام الحكم القطري، مع مرور الوقت سيجد نفسه غير مقبول، وبالتوازي مع تغيير وتطوير نظام الحكم داخل كل بلد عربي، سيظهر إطار ربما يشبه الاتحاد الأوروبي، أي مشروع لإقامة دولة عربية فدرالية _ ربما، واحدة وموحدة، ولعل من يراقب الإعلام الإلكتروني يلحظ ظهور مئات الصفحات التي تعلن وحدة الشعوب العربية أو جامعة الشعوب العربية كإعلان احتجاجي وكبديل في نفس الوقت عن جامعة الدول العربية، وبرأينا، هذا ما يجب أن يناقشه «القادة الرسميون» العرب!
Rajab22@hotmail.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد