لماذا قررت السلطة الفلسطينية إجراء انتخابات بلدية شاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة ؟! ولماذا وافقت جميع التنظيمات على المشاركة فيها حتى الجهاد الإسلامي الذي رفض المشاركة في جميع الانتخابات منذ قيام السلطة عام 1994وحتى يومنا هذا ؟! وما هي الفائدة المرجوة من إجراء هذه الانتخابات في ظل الوضع الفلسطيني الراهن ؟! هذه الأسئلة وغيرها تتبادر إلى الذهن في ظل ارتفاع نسبة حظوظ إجراء هذه الانتخابات في قطاع غزة التي لم تسمح فيه حركة حماس بإجراء مثل هذه الانتخابات منذ سيطرت على القطاع منتصف العام 2007 ...

أنا أعتقد أن قرار إجراء هذه الانتخابات والمشاركة فيها له دوافع لدى مختلف أطراف اللعبة السياسية الفلسطينية وأقصد بها السلطة الفلسطينية وحركة فتح وحركة حماس وبقية التنظيمات السياسية، وعندما أصنف السلطة كطرف وفتح كطرف آخر فإن مرد ذلك أن السلطة تغرد في كثير من الأحيان بعيداً عن توجهات وتطلعات حركة فتح العمود الفقري للسلطة؛ هذه الدوافع قد تكون متوافقة تارة وقد تكون متباينة تارة أخرى ؛؛؛

بداية علينا أن نضع نصب أعيننا أن الإعلان عن إجراء هذه الانتخابات يأتي في ظل انقسام متواصل منذ أكثر من تسع سنوات كاملة بين رأسي المنظومة السياسية الفلسطينية وأقصد هنا حركتي فتح وحماس هذا الانقسام الذي خرّب ما خرّب ودمّر ما دمّر من النسيج الوطني والسياسي والاجتماعي الفلسطيني ، يعني أنه يأتي بدون أرضية حقيقية وبدون أسس واقعية أو منطقية سليمة لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الاجتماعية ، فكيف ستدور رحى انتخابات بلدية عامة ستشمل مختلف محافظات شطري الوطن في ظل انقسام مدعوم باحتقانات من مختلف الأشكال والألوان بين مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي الفلسطيني.! إن إعلان الحكومة عن إجراء هذه الانتخابات قد يبدو للوهلة الأولى ناجم عن الرغبة في توطيد دعائم الديمقراطية المفقودة أصلاً ؛ ولكن في الحقيقة الأمر ليس كذلك فهذه الانتخابات تم الإعلان عنها بموجب رؤية محددة وأهداف مغايرة عن تلك المعلنة من قبل السلطة، وعلينا أيضاً أن نذكر كذلك أن موافقة حماس والجهاد وبقية التنظيمات على المشاركة في هذه الانتخابات يتم لأسباب بعيدة كل البعد عن تلك المعلنة رسمياً !

إذن فلكل طرف أجندته الخاصة سواء من وراء الإعلان عن هذه الانتخابات أو من وراء الإعلان عن المشاركة فيها.! دعونا نبدأ بالدوافع الأكثر قرباً إلى المنطق والتي دعت حكومة السلطة لإجراء هذه الانتخابات؟ غير خفي عن الجميع أن الحكومة تعاني من مشاكل عويصة في الضفة الغربية فهي تواجه صلفاً وعنجهيةً إحتلالية في أعلى مستوياتها على الإطلاق فأصبحت كالدمية المكروهة لا تملك لها حولاً ولا قوة وليس لقراراتها مصداقية تذكر؛ بالإضافة إلى الوضع الأمني الداخلي المتأزم في مدن الضفة الغربية والذي وصل ذروته بمقتل عدة عساكر تابعين للسلطة في نابلس مؤخراً مما ينذر بتفاقم خطير قد يصل إلى درجة الفلتان الأمني الكامل تماماً كما حصل في قطاع غزة قبل السقوط الكبير وسيطرة حماس عليه كاملاً متكاملاً!!

كذلك فإن الرغبة المكبوتة لدى الحكومة في وضع حد للنشاطات التي ينفذها شبان وشابات ضد الاحتلال وأقصد هنا ما يطلق عليه حالياً بانتفاضة القدس لأن حكومة السلطة أو حكومة الرئيس لم تخف مطلقاً معارضتها لهذا الأسلوب من النضال لاعتبارات كثيرة ومتعددة ساقها الرئيس نفسه في أكثر من مناسبة، هذا بالإضافة للتهميش الذي تعاني منه هذه الحكومة في قطاع غزة على الرغم أنها تسمى بحكومة التوافق الوطني! لهذه الأسباب الرئيسية أعطى الرئيس أوامره لإجراء هذه الانتخابات عل فرضية أنها ستستقطب الشعب الفلسطيني بكليته ورمته لشهور طويلة وستكون الشغل الشاغل في الشارع الفلسطيني لشهور عديدة لا صوت يعلو فوق صوتها، كذلك رغبة الحكومة الواضحة في استغلال إجراء الانتخابات في الضفة والقطاع للحصول على دور فعلي في إدارة القطاع وليس كما واقع اليوم بدور صوري فقط !!

أما حركة حماس فالدوافع التي حدت بها للموافقة على إجراء هذه الانتخابات في القطاع عديدة ومتنوعة يقف على رأسها رغبتها العارمة في اقتحام حصن الضفة وإيجاد موضع قدم في حكمها من خلال السيطرة على مجموعة من البلديات وخصوصاً الكبرى معولةً على نقمة المواطنين لسياسات السلطة هناك والرصيد الشعبي الذي تتمتع فيه الحركة في الضفة ؛ أما الدافع المهم الثاني الذي حدا بحماس للموافقة هو رغبتها الشديدة في التعرف على مدى تضرر شعبيتها في القطاع نتيجة تفاقم المشاكل الحياتية للمواطنين الناجم عن أسباب عديدة في مقدمتها الحصار الخانق المضروب على القطاع منذ 10 سنوات تقريباً وتحديداً منذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية 2006؛

كذلك التعرف بشكل ميداني دقيق على قوة خصومها السياسيين وفي مقدمتهم حركة فتح ، واضعةً في عين الاعتبار أن خسارتها لبعض البلديات في غزة لن يمثل كارثة بل سيزيح عنها عبء حل المشاكل المتفاقمة لهذه البلديات ويريحها من الدعم والمساندة والمساعدة المالية المتعاظمة التي تقدمها حالياً لعدد كبير من البلديات لضمان استمرارها في تقديم خدماتها للجمهور وضمان دفع رواتب موظفيها ؛ هذا بالإضافة أن حماس ستبقى فعلياً صاحبة الكلمة العليا في القطاع ولن يضيرها الخسارة في القطاع لأنها ستبقى المسيطرة على مقدرات وقرار كافة المؤسسات فيه سواءً كانت بلديات أو وزارات أو غيره والدليل أن هناك وزراء في غزة يتبعون ما يسمى بحكومة التوافق الوطني ليس لهم أي سلطة فعلية على وزاراتهم في غزة والكلمة الفصل هي لمن يدير هذه الوزارات من قبل حماس!!!

وهناك سبب وجيه وجوهري آخر لدي الحركة يدفعها دفعاً للموافقة على إجراء هذه الانتخابات وهو أنها تريد استغلال الصراع القائم بين قطبي فتح عباس ودحلان وكذلك الصراعات العديدة التي ستنجم حتماً بين مختلف تيارات الحركة الساعي كل تيار منها لفرض أجندته ومرشحيه وهي الصراعات التي قد تؤدي إلى تفتيت الحركة بصورة شاملة خصوصاً إذا خسرت الحركة الانتخابات بصورة دراماتيكية !

أما حركة فتح التي تعصف بها صراعات كبيرة بين جناحي الرئيس عباس ودحلان فهي تعتبر هذه الانتخابات فرصة تاريخية لبث الحياة مجدداً في شرايين الحركة المعطلة في القطاع قسراً منذ الانقسام ، ورغبة منها في استغلال التذمر والتململ وعدم الرضا الموجود حالياً في القطاع نتيجة تفاقم العديد من المشاكل التي أرقت الناس وقضت مضاجعهم ودفعت الكثيرين للمجاهرة بعدم رضاه عن الوضع القائم وببعضهم للانتحار، كما أن فتح تسعى جاهدة من خلال هذه الانتخابات لتحقيق فوز واضح يمكنها من دحض الادعاءات الحمساوية بأنها لا تملك أي شعبية جوهرية على الأرض.! أما حركة الجهاد الإسلامي التي تشارك للمرة الأولى في هذه الانتخابات فهي فعلاً مجبرة لخوضها لأن لا يأكل إلا القاصية من الغنم ، وبقائها وحيدة تغرد خارج السرب والإجماع سيودي بها لعزلة غير محمودة العواقب، كما أنها قد تستفيد من الصراع المحموم بين حماس وفتح لتحصل على أصوات غير المنتمين لكلا الحركتين وأصوات الناقمين والمعارضين لهما.! أما بقية التنظيمات فهي كالعادة لا يتعدى دورها استكمال برواز صورة العملية الديمقراطية ولا ضير إن شاركت وخسرت بشرف وما أروع أن تشارك وتحقق فوزاً ببعض الهيئات والمجالس يبقيها في الحلبة ولو بصورة شرفية.

شخصياً أنا ضد إجراء هذه الانتخابات لمجموعة من الأسباب في مقدمتها أنها تتم في ظل الانقسام المقيت فدعونا نضع شرطاً أن تتم المصالحة ويتم تنفيذ استحقاقاتها مجتمعة ومن ضمنها الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية ، كما أن هذه الانتخابات ستؤدي إلى تأجيج النزعات الحزبية الضيقة والعائلية العفنة وتوتير الشارع الفلسطيني خصوصاً في القطاع وسيكون هناك سعي محموم للاستقطاب بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة ، وسنشهد صراعات وخلافات ومشاكل نحن في أمس الحاجة ألا تكون؛ كما أن هذه الانتخابات ستكبد دافع الضرائب الفلسطيني مبالغ طائلة جداً وإياكم أن تقولوا المانحين فهذه الاسطوانة باتت مشروخة وعقيمة في ظل تنوع وتعاظم الضرائب التي يدفعها المواطن الفلسطيني لأكثر من سلطة ولأكثر من جهة ، هذه الأموال التي نحن بأمس الحاجة لها ستذهب هدراً في انتخابات لن تسمن أو تغني من جوع!! أما المصيبة الكبرى التي تجعل من هذه الانتخابات نقمة وليست نعمة فهو نظام التمثيل النسبي أي نظام القوائم الذي تقرر اعتماده كفيصل في هذه الانتخابات وهو ما يعني أن كل الكفاءات التي لا تنتمي للتنظيمات والحركات سيتم تعطيلها ووضعها على الرفوف ولن يتسيد المشهد إلا أبناء التنظيمات ولو كانوا مجرد دمى تتحرك على الأرض! ختاماً أؤكد أن ما كتبته لم أختلجه من بنات أفكاري فقط بل جئت بمعظمه من أفواه الناس، فهذا حالهم المؤلم الذي جعل من كل واحد منهم محلل سياسي فاهم وواع لما يدور حوله بالضبط ، أقول دعوكم من هذه المسرحية الهزلية المسماة بالانتخابات التي جربناها وتيقنا على مدار الأيام والسنين أنها لا تعدو كونها شكلاً بروتوكولياً ليس له في الحقيقة أية صلة بالعملية الديمقراطية برمتها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد