بعد أن صمت الرباعي الدولي دهرا، نطق أخيرا كفرا، كما يقولون، ورغم أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية انتقدت ما جاء في تقرير الرباعية الدولية من مساواة بين الضحية والجلاد، وهذا الموقف عادة ما يتخذه من لا يريد أن يكون له موقف، أو من كان يريد أن يظهر بمظهر المحايد، لكن الأخطر برأينا هو ما جاء بالنص من تأكيد على أن السبيل الوحيد لحل النزاع هو المفاوضات الثنائية المباشرة!
الجانب الفلسطيني ليس ضد الحل عن طريق التفاوض، وليس ضد التفاوض الثنائي، ولكن ضمن رعاية دولية ومرجعية محددة، كذلك ضمن سقف زمني للتفاوض، المهم أن نص تقرير الرباعي الدولي جاء «انتصارا لإسرائيل» التي تصر على عدم تدخل المجتمع الدولي لا لفرض الحل ولا لرعايته، وفي الوقت نفسه مبددا للآمال والمراهنات التي ظنت أو اعتقدت بأن مؤتمر باريس يمكن أن يفضي إلى مؤتمر دولي، أو لمفاوضات إقليمية، على أساس المبادرة العربية برعاية مصر. 
والرباعي الدولي إنما هو المجتمع الدولي، الذي يكاد يكون بديلا أو حتى ممثلا للأمم المتحدة، بل أقوى منها، لأنه يمثل إضافة للمنظمة الدولية كلا من الولايات المتحدة، والاتحادين الروسي والأوروبي. لذا فإن هذا الموقف الصريح والواضح، يعني أن ملف الحل السياسي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ليس له من أفق على المدى المنظور، على أقل تقدير!
في التفاصيل فإن التقرير احتوى على ما هو اخطر بكثير مما كان يتوقع أسوأ تقدير، فهو رأى ثلاثة جوانب للنزاع، تواصل العنف والإرهاب، توسع الاستيطان وعدم سيطرة السلطة على غزة والضفة. ويقصد الرباعي الدولي بالعنف والإرهاب ـ المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي ـ واخطر ما في الأمر انه لم يذكر أن الاحتلال هو أصل النزاع!
ثم ي فتح كوة في جدار الصمت التفاوضي ليوحي بعدم أهلية السلطة، ليس فقط لتولي مستقبل الضفة وغزة، التي لا تسيطر فيهما، ولكن بعدم أهليتها للتفاوض، وربما لاحقا بالتمثيل، ليتطابق مع الموقف الإسرائيلي بالكامل، الذي يدعي ليل نهار بعدم وجود شريك فلسطيني للتفاوض ولصنع السلام وللتوصل للحل السياسي. 
وهذا يعني بكل بساطة، ان الحل الذي ما زال يدور في أذهان الفلسطينيين، الذين «تشعقلوا» كمثل الغريق بقشة شعار حل الدولتين، لم يعد ممكنا، وان إسرائيل لن تتعرض لضغوطات من احد لتجلس على طاولة التفاوض لإنهاء الاحتلال، لا من أميركا ولا من غيرها وحسب، ولكن الذي سيتعرض للضغط هو الجانب الفلسطيني، المطلوب منه السيطرة على الضفة الغربية امنيا أولا بمنع عمليات «العنف والإرهاب» حتى يطالب الجانب الإسرائيلي بوقف الاستيطان، وكأنه يقول ان الاستيطان مبرر بسبب المقاومة، أو انه على الأقل لا يمكنه أن يطالب بوقفه ما لم يتوقف الشباب الفلسطيني عن عمليات الطعن، وما لم تقم السلطة بملاحقة هؤلاء الشباب، ثم هناك مبرر الانقسام للغمز من قناة الجانب الفلسطيني وعدم أهليته بالجملة لأن يظفر بحل الدولتين. 
هذا ما يشجع إسرائيل على المضي قدما بالسعي للحل من جانب واحد، وبفرض ما تراه مناسبا لها، دون أن تضطر لأن تفاوض من يزعجها التفاوض معه، بما في ذلك العرب، الذين يبدون الاستعداد للتنازل كثيرا حتى تقبل إسرائيل بأن تشاركهم تحالفا امنيا ضد إيران، بما في ذلك تعديل المبادرة العربية المعلنة منذ العام 2002.
باختصار إسرائيل لم تعد أمام احد خيارين أحلاهما مر: إما الدولة ثنائية القومية ـ أو حل الدولة الواحدة، أو حل الدولتين، ولم تعد حتى بين احد خيارين، احدهما أصعب قليلا من الآخر، وهما: أما حل الدولتين أو الحل الإقليمي مع العرب.
بل هي الآن أمام أحد خيارين، أمرهما حلو، أو أصعبهما محتمل، وهما: إما الحل الإقليمي أو الحل من جانب واحد!
وعلى الأغلب هي تفضل الحل من جانب واحد، ومن ثم يمكنها أن تظفر بالتطبيع مع العرب وفق معادلة الأمن أو التحالف الأمني الإقليمي مقابل التطبيع، وليس الانسحاب مقابل التطبيع، وعلى طريق إنجاز الحل من جانب واحد، تسعى حثيثا إلى عدم الاكتفاء بالانقسام وقطع يد السلطة عن غزة وحسب، بل والى شل يد السلطة عن الضفة و القدس ، بتشجيع وإشاعة الفلتان الأمني ورعاية جماعات قطع الطرق وعصابات الجريمة والإدمان من جانب، ومن الجانب الآخر  الذهاب على طريق «البيت اليهودي» الذي يواصل معركة خلق الإجماع الإسرائيلي على الاستيطان كما هو الحال تجاه «القدس الموحدة»، وربما في حملة ما يسمى «بلوبي ارض إسرائيل في الكنيست » خير دليل وشاهد على ما نقول. 
فالحملة التي أطلقها نائبان احدهما «ليكودي» والآخر من «البيت اليهودي»، أول أمس ـ الأحد، تحت شعار «حان وقت السيادة» تجيء في هذا السياق، حيث يبدو لهم أن الأمور قد نضجت وان اللحظة مناسبة لفرض الحل أحادي الجانب بضم المستوطنات لدولة إسرائيل، تبدأ بمنع تجميد البناء في «معاليه ادوميم»، وذلك قبل مناقشة مشروع قرار ضم المستوطنة بعد أسبوعين من الآن. 
الدليل على جدية الأمر هو أن مركز استطلاعات الرأي «مدغام» أجرى استطلاعا كانت نتيجته أن 78% من يهود إسرائيل يؤيدون ضم «معاليه ادوميم»، كما فعلت إسرائيل مع هضبة الجولان العام 1981.


Rajab22@hotmail.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد