رؤية واقعية للتعامل مع القضية الفلسطينية

اللواء محمد ابراهيم

اللواء/ محمد إبراهيم

تعودنا أن يدلى السيد رئيس الجمهورية بتصريحات تتسم بالجدية والموضوعية والشفافية, وفى هذا الإطار أستطيع أن أفهم تصريحات سيادته التى أدلى بها يوم الثلاثاء 17 الحالى حول القضية الفلسطينية, وهى تصريحات أعتقد أن سيادته يدلى بها للمرة الأولى، بهذا الشكل الواضح والمحدد بهدف تحريك القضية ودفعها بعيدا عن حالة الجمود التى تعانيها وقبل أن تدخل دائرة النسيان الإقليمى والدولى، وبالتالى سوف أحاول إلقاء الضوء على مضمون هذه التصريحات ومغزاها وصولاً إلى تحديد ما هو المطلوب فعله.

تعكس هذه التصريحات أربع حقائق أساسية أولها: أن الدور المصرى فى القضية الفلسطينية يظل هو الدور المحورى مهما تكن الظروف التى تمر بها مصر والتى قد تؤدى فى بعض الأحيان إلى تباطؤ أو تراجع نسبى فى طبيعة هذا الدور ولكنها لا يمكن أن تؤدى إلى تغييب كامل له , وثانيها: أن قناعة مصر تتمثل فى أن حل القضية الفلسطينية يعد إحدى ركائز الاستقرار فى المنطقة , وثالثها: أنه لا يمكن حل هذه القضية دون إنهاء الانقسام الفلسطينى الفلسطينى, ورابعها: أن مصر مؤهلة تماماً لمساعدة الأطراف التى تسعى إلى تنفيذ المبادرات المطروحة لحل القضية بل وقدرتنا على طرح رؤى وحلول وسط فى بعض القضايا التى تحتاج إلى وسيط أو طرف محايد متعقل رغم أن مصر ليست وسيطاً ولكنها شريك كامل. فيما يتعلق بأحد أهم المشاكل الحالية وهو الانقسام الفلسطينى الذى يدخل عامه العاشر فلاشك أن استمرار هذا الانقسام لن يساعد المفاوض الفلسطينى على أن ينال حقوقه المشروعة ما دام هناك جزء من الوطن (قطاع غزة ) لا يزال بعيداً عن الوطن بكامله , ولن تتقدم إسرائيل خطوة واحدة فى طريق السلام فى ظل استمرار الوضع الحالى فى غزة بكل مكوناته , إذن فالدعوة المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية تمثل رؤية واقعية تتعدى حدود المصالحة نفسها لتصل إلى جوهر عملية السلام, ومن المؤكد أن الورقة المصرية التى وقعتها كل الفصائل الفلسطينية فى القاهرة فى الرابع من مايو 2011 وما تلاها من تفاهمات كفيلة بإنجاز مصالحة حقيقية خلال أسابيع إذا ارتفع الجميع بإرادة قوية فوق خلافاتهم مهما تكن.

وإذا ما تعرضنا للمبادرات المطروحة للحل (التى أشار إليها الرئيس) فسوف نجد أن هناك مبادرتين رئيسيتين فى هذا المجال وهما المبادرة العربية للسلام (قمة بيروت 2002) التى أرى أنها رؤية واقعية للحل، حيث طالبت إسرائيل بالانسحاب الكامل وحل مشكلة اللاجئين مقابل سلام وتطبيع كامل , وللأسف لم يستطع العرب تسويق هذه المبادرة بالصورة المناسبة كما أن إسرائيل أبدت مجموعة من التحفظات عليها أدت فى النهاية إلى تجميدها ومن المهم التفكير فى كيفية إحيائها والاستفادة منها , أما فكرة المؤتمر الدولى للسلام فهى وإن كانت فكرة جيدة من حيث المبدأ إلا أنها تعتبر بعيدة كل البعد عن إمكانية التنفيذ لاسيما أن إسرائيل رفضتها ولم تحظ بتأييد أمريكى مما دفع الرئيس الفرنسى إلى إعلان تأجيلها .

واستكمالاً للمبادرات التى تعرض لها السيد الرئيس نأتى إلى مبادرة اللجنة الرباعية الدولية QUARTET والمقصود بها خريطة الطريق ROAD MAP التى طرحتها اللجنة فى إبريل 2003 وتضمنت تقنيناً واضحاً لمبدأ حل الدولتين TWO STATE SOLUTION أى إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة تعيش جنباً إلى جنب بجوار دولة إسرائيل, ولكن للأسف أبدت إسرائيل العديد من الاعتراضات على هذه المبادرة مما أفرغها من مضمونها بل حاولت إسرائيل أن تتوقف عند إحدى المراحل الثلاث لخريطة الطريق التى تسمى مرحلة الدولة المؤقتة لتكون هى نهاية المطاف الأمر الذى رفضته مصر والفلسطينيون وبالتالى فشلت محاولات وضع هذه المبادرة موضع التنفيذ . إذن فالواقع يشير إلى أن الساحة السياسية مليئة بالمبادرات التى لم تجد لها أى طريق للتنفيذ, ثم زاد الوضع تعقيداً حدوث أمرين الأول: تلك الصراعات التى تشهدها المنطقة العربية حالياً التى أدت إلى تراجع حاد للقضية الفلسطينية, والأمر الثاني: هذا الجمود التام فى عملية السلام منذ أكثر من عامين قابلته إسرائيل بمزيد من الاستيطان فى الضفة الغربية وتهويد القدس وإيجاد أمر واقع على الأرض للحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية. من الضرورى أن أقف عند أهم أبعاد تصريحات الرئيس وهى محاولة إعادة الزخم للقضية الفلسطينية ودفع الأطراف لاستئناف عملية التفاوض, وفى رأيى أن الحفاظ على حيوية القضية واستمرارها فى دائرة الضوء يعد العامل الرئيسي للتوصل إلى حلول لها, فإسرائيل هى أكثر الأطراف استفادة ليس فقط من الواقع العربي الأليم بل من جمود المفاوضات وغياب الجهود التى قد تدفعها دفعاً إلى طريق السلام فهذا الأمر وفر لها الفرصة لتنفيذ سياساتها فى المناطق الفلسطينية من جانب واحد وبالشكل الذى تراه مناسباً مادامت الأطراف الفلسطينية والعربية المعنية غائبة. فى النهاية لاشك أن ردود الفعل الإيجابية من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على تصريحات السيد الرئيس تؤكد مدى الثقة المطلقة فى الدور المصرى بل وحاجتهم إليه , وبالتالى يتبقى على هذه الأطراف أن تتعامل مع التحرك المصرى بعقلانية وباستعداد حقيقي لاستثمار هذه اللحظة بصورة عملية, ومن جانب آخر فإن على مصر وهى تعيد امتلاك زمام المبادرة فى هذه القضية ألا تكتفى بالموقف الإيجابى الذى عبرت عنه الأطراف بل يجب أن تكون تلك نقطة البداية واستثمار قوة الدفع فى بلورة رؤية متكاملة للتحرك تشمل شكل التواصل مع الأطراف والتوقيت والآليات وأسس ومرجعيات التفاوض من أجل بدء معركة سياسية صعبة ومعقدة للغاية, فمصر تمتلك ـ بفضل الله ـ القدرة بما لديها من علاقات متميزة مع الجميع وبتاريخها المشرف فى القضية وبخبرائها المميزين المحترفين وهو ما يجعلها مؤهلة للنجاح فى حل إحدى القضايا الرئيسية المتعلقة بالأمن القومى المصرى .

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد