ليس صدفةً أن يختار رئيس الوزراء الإسرائيلي الشخصَ الأكثر تطرفاً ويحمل أفكاراً في قمة العنصرية لتسليمه حقيبة الدفاع، في وقت انطلقت فيه تصريحات عربية ودولية تهدف إلى تحريك المياه الراكدة سياسياً، والتي وصلت إلى حد التعفن لكثرة ما يُلقى فيها من عفن الاستيطان ومصادرة الأراضي وسياسة التهويد ..وهي تأكيد على نهج التطرف والإيمان بمنهج إطلاق رصاصة الرحمة على جسد العملية السياسية التي كانت تعاني غيبوبة منذ سنوات بسبب الاعتداءات الإسرائيلية.
انحراف نتنياهو عن حكومة وحدة كان من المفترض أن يشارك فيها رئيس المعسكر الصهيوني حاييم هيرتسوغ لخلق توازن مع الكتل المتطرفة والعنصرية إلى حكومة أكثر تطرفاً ردٌ واضح على المبادرة الفرنسية وتصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التي أكد فيها على مركزية القضية الفلسطينية وضرورة إيجاد الحل المناسب لها، وبالتالي هو وضَع فعلاً العربة أمام الحصان.
نتنياهو الذي استراح مؤقتاً من الوساطة الأميركية المنحازة طبعاً لإسرائيل بسبب الانتخابات الأميركية، وجد أمامه المبادرة الفرنسية كمحاولة أُخرى لإنعاش المسيرة السلمية ..ورغم أن الحديث عن هذه المبادرة ليس جديداً، بل إن النقاشات حولها بدأت منذ عدة أشهر بعلم واشنطن وتل أبيب، إلا أن رد فعل نتنياهو السريع بمجرد وصول وزير الخارجية الفرنسي إلى المنطقة ومعارضته بشكل واضح للمبادرة الفرنسية وحكمه عليها بالإعدام دليلٌ آخر على رؤية نتنياهو للقضية الفلسطينية وطريقة حلها، بما لا يزيد على تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين ومنحهم حكماً ذاتياً محدوداً تكون حدود مسؤوليته محصورةً في نطاق تقديم الخدمات اليومية للمواطنين، مع تشجيع فكرة الهجرة أو التفريغ الطوعي لمناطق السلطة الفلسطينية ..وربما نتنياهو ما زال مخلصاً لوصية والده الذي كان لا يعترف بوجود الشعب الفلسطيني، ويرفض بشكل قاطع التنازلَ عن أي قطعة من أرض إسرائيل (أي فلسطين).
ومما يؤكد ذللك هو تصريحات نتنياهو المتواصلة بأن الانقسام الفلسطيني والأوضاع الإقليمية وخاصة العربية تؤكد وجهةَ النظر بأن إسرائيلَ قويةً هي ضمانةُ الاستقرار، وأن السلام ليس حاجةً أساسية لتل أبيب، بل ان تبعياتها الداخلية وخاصة مع المستوطنين وأحزاب اليمين ستكون مكلفة.
ورغم ذلك ووضوح المواقف الإسرائيلية بشكل لا لبس فيه، يطالب وزير الخارجية الفرنسي الدول العربية بتقديم بادرة حسن نية لإسرائيل تتمثل باعتراف عربي بها وربما اكثر من ذلك..وهل إذا قدمت هذه المبادرة ستهرول القيادة الإسرائيلية نحو السلام وستوافق على الأسس الأممية للحل؟ وهل ستتنازل لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67، وهل ستقبل ب القدس عاصمة للدولة الفلسطينية ...؟؟؟ باريس تعلم الإجابة، وأن حكومة الاستيطان الإسرائيلية تعدت مرحلة السلام وحل الدولتين إلى حل الأمر الواقع على الأرض ... خاصة وأن القيادة الإسرائيلية تعمدت خلال السنوات العشر الماضية قتل حل الدولتين من خلال تغيير الوضع الديمغرافي للضفة الغربية، وبشكل خاص القدس المحتلة ... فواقع الكانتونات الفلسطينية الخمسة الذي خلقته إسرائيل، والمتمثل في كانتون بيت لحم والخليل جنوباً، كانتون القس، وكانتون رام الله حتى جنوب نابلس ، وكانتون شمال الضفة، وكانتون أريحا والأغوار ..هذه الكانتونات لا يمكن ان تشكل دولةً متواصلة الأطراف، بل يعترف بوجود الشعب الفلسطيني بمناطق تجمعات سكانية فلسطينية محاصرة بالكتل الاستيطانية المتواصلة مع الخط الأخضر، معزولة وغير قادرة على تقديم حتى الخدمات بدون موافقة ومساعدة إسرائيلية.
وبناء عليه، فليس مفاجئاً تعيين ليبرمان وزيراً للدفاع في حكومة تضم وزراء يدعمون الإرهاب الاستيطاني بشكل علني، ولكن المفاجئ هو اعتقاد قادة ودول أن هناك إمكانية لإقامة السلام مع هذه القيادة الإسرائيلية؟؟!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية