بعد قرن من التوقيع على إحدى أشهر الاتفاقيات في التاريخ الحديث، اتفاقية سايكس ـ بيكو، كإحدى نتائج أو معطيات الحرب الكونية الأولى، فإننا لا نكتفي بأن نتذكر هذه الاتفاقية فحسب، بل إننا نعيشها فعلا، ولأننا نتناول هذه الاتفاقية كل عام تقريباً، فإن الوضع الراهن قد يفرض تناولاً مختلفاً لها بالخوض المختصر في مفارقاتها ومقارباتها وحقائق تتعلق بها.
يدور الحديث حالياً، وفي إطار نتائج «الربيع العربي» الأكثر وضوحاً حتى الآن، عن أن تقسيم ما قسمه سايكس وبيكو للمنطقة العربية، بات أمراً وارداً إن لم يتحقق، يقول البعض إن هذا المعطى ليس أكثر من تأكيد نظرية المؤامرة، لكن كانت الحوارات بين فرنسا وبريطانيا من خلال بيكو وسايكس، حول تقسيم المنطقة العربية، سرياً، وللتغطية على المناقشات بينهما للتوصل إلى الاتفاقية، جرت مباحثات مع العرب، مباحثات الحسين ـ مكماهون، بذريعة التخلص من الاحتلال والجور العثماني.. ما كانت هذه الاتفاقية، لتكتشف لولا ثورة أكتوبر وقيام الاتحاد السوفياتي، إذ إن اتفاقية سايكس ـ بيكو، تتضمن حصة لروسيا القيصرية، تشمل الولايات الأرمنية في تركيا وشمال كردستان، كما تمنح الحق لروسيا في الدفاع عن مصالح الأرثوذكس في الأماكن المقدسة في فلسطين، أي جنوب سورية، كما جاء في الاتفاقية!
من الجدير ذكره، أن المثقفين العرب، في ذلك الوقت، وبعد الكشف عن اتفاقية سايكس ـ بيكو، رحبوا بها، واعتبروها عاملاً مساعداً للتخلص من الهيمنة العثمانية، كما ظن بعضهم أن الاتفاقية تشير إلى دولتين عربيتين، إحداهما تحت الرعاية البريطانية والأخرى تحت الرعاية الفرنسية، ما يعني عودة «الوحدة» إلى بعض المناطق التي كانت مفصولة عن بعضها ووضعها تحت سيطرة ثنائية، لكن الأهم من ذلك، بنظر المثقفين العرب آنذاك، ان السيطرة الاستعمارية البريطانية والفرنسية، ستظل مؤقتة، إذا ما استمرت فإن التداعي للقتال والمواجهة ضدهما كفيل بالخلاص من هذا الاستعمار، ولم يكن هؤلاء على علم بأن بريطانيا، الوصية على فلسطين وبعد عام واحد من التوقيع على اتفاقية سايكس ـ بيكو، أصدرت عبر وزير خارجيتها بلفور، الوعد المشؤوم القاضي «بالتنازل» عن فلسطين للصهيونية العالمية، وان وجود الدولة العبرية اليهودية، التي بات اسمها «إسرائيل» سيضع حداً لأي طموح عربي للوحدة، ولعل مقاربة سريعة بين زمنين عابرين طوال قرن من الزمن، بين التوقيع على اتفاقية سايكس ـ بيكو، وما يجري الآن، حول «الربيع العربي» له دلالاته على كيفية تفكير بعض المثقفين الواهمين بتحولات ديمقراطية بنتائج هذا «الربيع».
وبينما كانت اتفاقية سايكس ـ بيكو، إحدى وقائع الحرب الكونية الأولى، فإن تلك الحرب جرت في أوروبا، أما اليوم، فإن التقسيم الجديد، سيكون نتاجاً لحرب تجري في منطقة التقسيم ذاتها، وإذا ما عدنا إلى تفاصيل اندلاع الحرب الكونية الأولى، إثر اغتيال ولي عهد النمسا والمجر، فإن هذا الاغتيال قد تم على يد عصابة «اليد السوداء»، مجموعة الاغتيال كانت تتكون من شباب مسيحيين، إلاّ مسلما واحدا، وهو البوسني محمد باشيك، وهو الذي وضع خطة الاغتيال، وتزود بقنبلة، إلاّ أنه لم يكن بحاجة لاستخدامها، بعدما أقدم الصربي جافريلو برينسيب على إطلاق رصاصات مسدسه على ولي عهد النمسا والمجر، الحرب الكونية الأولى كانت بحاجة كي تندلع إلى تخطيط مسلم وسط مجموعة من المسيحيين الصربيين، راهناً، من يخطط لتقسيم المنطقة من جديد، خارج المنطقة، ومن غير المسلمين، بينما القوى الإسلامية المتشددة، هي التي تنفذ، بوعي كامل، عملية التقسيم حسب الخطط الغربية!
سمحت اتفاقية سايكس ـ بيكو لفرنسا باستخدام ميناء حيفا الواقع تحت الرعاية الاستعمارية البريطانية، وبالمقابل سمحت لبريطانيا باستخدام ميناء الإسكندرون شمال الساحل السوري، ما يشير مجدداً إلى أن لواء الإسكندرون، عربي ـ سوري عكس ما تدّعيه تركيا.
كما أن اتفاقية سايكس ـ بيكو، ألغت كافة الاتفاقات التي تتعارض مع نصوصها، حتى تلك التي وقعتها أطراف أخرى، وبالتالي، وحسب الكاتب محمد حسنين هيكل، فإن جزيرتي تيران وصنافير، حتى لو كانتا تحت الوصاية المصرية في إطار الخريطة العثمانية، فإن اتفاقية سايكس ـ بيكو، ضمناً، تضعهما في إطار الحدود السعودية، وذلك حسب تفسيرات فقهاء القانون الدولي، إلاّ أن المفارقة في هذا السياق، أن الأمر يتعدى الحدود الجغرافية، إلى الأهداف السياسية وراء إثارة ملكية هاتين الجزيرتين، باعتبارهما مدخلاً لتحديد وتطوير وتمديد اتفاقيات «كامب ديفيد»، من مصر إلى السعودية.
بعد قرن من اتفاقية سايكس ـ بيكو، يمكن القول إن التمسك بتقسيماتها، ربما أفضل حالاً من البدائل التي أثارها «الربيع العربي»!!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد