كثيراً ما ثار الجدل عقب كل حرب عدوانية شنتها ( اسرائيل ) على المقاومة الفلسطينية واللبنانية حول الإجابة على سؤال : من الذي انتصر في الحرب , فاختلفت الآراء حول ذلك ما بين مبالغ  في انتصار المقاومة وبين مبالغ في هزيمتها . وجزء كبير من هذا الاختلاف في الرأي ناتج عن اختلاف الموقف من المقاومة : نهجاً وحركات , وهذا دوره ناتج عن تباين في الخلفية الفكرية والرؤية السياسية لطبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني , واللتان تحددان بدورهما الإطار المرجعي لمفهومي النصر والهزيمة . وهذا الاختلاف مرتبط من جانب آخر بالعقيدة العسكرية والقتالية للمقاومة التي ينبثق منها رؤيتها لمفهومي النصر والهزيمة . فماذا نعني بالعقيدة العسكرية للمقاومة ؟ وما مفهوم النصر والهزيمة لدى المقاومة ؟

العقيدة العسكرية للمقاومة عبارة عن نسق فكري ينظم المفاهيم والمبادئ العسكرية والقتالية للمقاومة , وهي مجموع الأفكار الأساسية التي تنظّم وتوّجه العمل العسكري المقاوم , وهي مجمل المبادئ الأساسية التي تتخذها المقاومة المسلحة لإنجاز مهامها وتحقيق أهدافها , وهي السياسية العسكرية المرسومة التي تعبّر عن فكر المقاومة في الأمور القتالية . والعقيدة العسكرية القتالية للمقاومة هي المسؤولة عن تنظيم إدارة وتوجيه العمل العسكري للمقاومة , ولها أهمية كبيرة في تحقيق النصر والتسبب في الهزيمة في الحرب , ونجاح أو فشل العمليات العسكرية للمقاومة . فعلى سبيل المثال عدم وضوح العقيدة العسكرية وارتباكها في الأذهان , أو وجود عقيدة عسكرية لا تتناسب والواقع الميداني على الأرض من شأنه التأثير سلبياً على مجريات الأمور في الصراع المسلح مع العدو الصهيوني .

والعقيدة العسكرية لا بد أن يكون لها إطاراً مرجعياً تستمد منه مفاهيمها ومبادئها ومعاييرها وأهدافها ... , فالكيان الصهيوني لديه عقيدة عسكرية مستمدة من التوراة والتلمود المحرّفين اللذان  زرعاً عقيدة عنصرية استعلائية في العقل اليهودي , ومن الأيديولوجية الصهيونية التي انبثق عنها المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحلالي , ومن الفكر الاستعماري الغربي الذي أفرز المشروع الصهيوني كامتداد له , ومن الخصائص النفسية والجبلّية لليهود كالحرص على الحياة والقتال من وراء جدر وعقلية الجيتو ..., والطبيعة الجيوسياسية لدولة ( اسرائيل ) . أما المقاومة فقد استمدت عقيدتها القتالية من عقيدة الجهاد في سبيل الله التي تجعل تحقيق النصر في المعركة أو نيل الشهادة فيها سيان للمسلم الذي يبتغي مرضاة الله تعالى , والتي تجعل القتال دفاعاً عن الوطن ومن أجل تحريره في صلب العقيدة الإسلامية , وهي التي تشكل المخزون الروحي الذي لا ينضب الذي يدفع المقاومين للقتال والثبات في المعركة . وكذلك استمدت عقيدتها من التراث النضالي للحركة الوطنية الفلسطينية منذ بدء الصراع مع الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني . وكذلك من مبادئ حرب العصابات التي ترتكز على استراتيجية حرب العصابات الطويلة الأمد لاستنزاف العدو وتحقيق الانتصارات الجزئية وصولاً إلى تحقيق النصر الاستراتيجي , والحرص على وجود حاضنة شعبية للمقاومة وحلف داعم لها .

ومن المفاهيم المهمة في العقيدة العسكرية مفهومي النصر والهزيمة , فهل النصر يعني احتلال أرض العدو , أو إبادة قوات العدو , أو استسلام العدو وإخضاعه , أو اسقاط نظام حكم العدو , أو تحقيق أهداف الحرب العسكرية والسياسية , أو تحسين شروط المفاوضات مع العدو , أو تجميع الانتصارات الصغيرة ومراكمة عناصر القوة ... فمفهوم النصر لدى العدو الصهيوني كان على الدوام هو احتلال مزيد من الأرض العربية وإخضاع العرب لإرادتهم والتسليم بوجودهم والإذعان لشروطهم , وهذه الأهداف لم تعد صالحة الآن بسبب عجز الكيان الصهيوني عن تحقيق هذه الأهداف في حروبه مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية , فأصبح يصنع أهدافاً مطاطة غير محددة المعالم وغامضة يمكن أن يزعم أنه حققها دون أن يحاسبه أحد , ولقد حدد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ( ايزنكوت ) مفهوم النصر حالياً بتحقيق الأهداف السياسية للحرب التي يضعها المستوى السياسي للحرب التي كثيراً ما تكون الأخرى غامضة أيضاً .

أما مفهوم النصر عند المقاومة من الناحية الاستراتيجية يعني تحرير فلسطين كلياً أو جزئياً من قبضة العدو الصهيوني وصولاً إلى إزالة الكيان الصهيوني من الوجود , وحتى يتحقق هذا النصر الاستراتيجي فإن هناك مفاهيم أخرى للنصر يُمكن وضعها تحت تصنيفات أخرى للنصر منها : منع العدو من تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية من الحرب ، وإحباط أهداف العدو المعلنة وغير المعلنة من الحرب ، ورفع تكلفة الحرب لدى العدو البشرية والمادية بحيث تردعه عن شن حروب أخرى ، وجعل الاحتلال مشروعاً باهظ الثمن والاستيطان مشروعاً فاشلاً برفع كلفتهما البشرية و الاقتصادية لوضع الكيان الصهيوني في مأزق وجودي يجعله يفكر في الانسحاب من أي جزء من الأرض المحتلة  حفاظا على وجوده في أجزاء أخرى , وإبقاء جذوة الجهاد مشتعلة والمقاومة مستمرة لاستنزاف العدو حتى تحقق ظروف النصر الاستراتيجي على العدو ، وتحقيق توازن الردع النسبي بين المقاومة والعدو بحيث تردعه عن شن عدوانه متى شاء ....، وهذه المفاهيم كلها لا قيمة  لها بدون توظيفها في إطار مشروع التحرير الكامل الذي ينتهي بإزالة الكيان الصهيوني من الوجود .

وختاما فإن المبالغة في توصيف نتائج الحرب ما بين النصر والهزيمة كلاهما يؤديان إلى نفس النتيجة المضللة , ولا مناص من التوصيف الحقيقي بدون تهويل أو تهوين . 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد