2014/07/31
48-TRIAL-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اكتب إليكم في هذه اللحظات العصيبة التي يمر بها شعبنا الفلسطيني النازف في قطاع غزة ، هذا القطاع الذي أصبح حاله تحت ضربات إسرائيل المروعة، كحال الربع الأخير من سفينة التايتنك، الكل ينزح إلى الأعلى.. فأرجوكم لا تدعوا السفينة تغرق تماما.
إننا في غزة نعيش أوقاتاً من القتل الجماعي، بعد طول سنوات من الحصار الجماعي، لقد حولت إسرائيل الشجاعية وخزاعة وقلب غزة ورفح وخانيونس الى هيروشيما وأشلاء، الرعب يسكننا ويسكن أطفالنا، والخوف يغمرنا، ليس جبناً، لكن حتى المؤمن القوي يخاف، فلا بيوت، ولا ماء، ولا كهرباء، بل فقدان الثقة في مستقبل يتوافر فيه الحد الأدنى من الأمان.
اكتب إليكم بصفتي مواطن فلسطيني، كباقي أبناء شعبه، فقدت عائلته خلال هذا العدوان 13 أنساناً من زهرات بناتها وأبنائها وأطفالها، وعشرات من بيوتها وأحلامها وذكرياتها الدافئة، وتشرد المئات منهم فيما تبقى من أطراف غزة، وعند ما تبقى من أقارب.
اكتب إليكم لتتخذوا إجراءات سريعة لوقف هذا الإجرام الذي تقوم به دولة إسرائيل، ولإنقاذ أرواح أطفالنا من القتل، وأطرافهم من البتر، وعيونهم الجميلة من الخوف، لإنقاذ أولئك المساكين الذين يحشرون في هذا المكان الضيق والمتعرق، هذا المكان الصغير من العالم الذي يدعي التحضر، لكن مجازر غزة فضحت زيف شعاراته بالديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة والمساءلة والمحاسبة، وكشفت فظائع إسرائيل المقترفة في بيوت ومدارس وجوامع غزة عن نفاق هذا الكون الذي شارك من خلال دعمه وصمته، وتقاعسه في الجريمة الإسرائيلية وفي استمرارها بحق السكان المجردين من أي سلاح، ألا من سلاح الحق في الدفاع الشرعي عن النفس، هذا الحق الذي يثبت حصرا للشعب الخاضع تحت الاحتلال ولا يثبت – كما زعم اوباما جهلاً أو تواطئا- لإسرائيل.
سادتنا المحترمين/ إن كرامة الناس في غزة قد تم المساس بها، فمن يفقد بيته، يفقد هيبته وكرامته، وإن مستقبلنا الصحي والبيئي والتعليمي بسبب جرائم الاحتلال، بالإضافة لما سبقه من فواجع الفقر والبطالة، باتت مؤشراته في أحط مستوياته.
إن مطلب رفع الحصار عن شعبنا هو مطلب عادل، وهو حق من حقوق الإنسان التي لا مساس بها، لكن التكلفة باهظة، وباهظة جدا، وهذا المطلب إن تحقق أو تحقق جزء منه، فإنه سوف يقدم إلى شعب جزء كبير منه مدفون، أو جريح معاق، أو مشرد، او مصاب بالصدمة.... وما أكثر الأخيرة.
سادتنا/ هناك جيل قادم في غزة، تسببت جرائم الاحتلال غير المسبوقة، التي أعقبت سنوات الحصار الطويلة البائسة في تحويله إلى هياكل بشرية تتنفس، وعليه اطلب من حضراتكم كمواطن فلسطيني عادي أن تمسكوا بزمام المبادرة في الجانب السياسي وبنجاح، كما أنكم تمسكون بها في جانب المقاومة بنجاح، وتقبلوا بالمبادرة المصرية وتقولوا: " نعم نقبل بها ولكن.." لأن من شان هذا الأمر أن يجنب شعبنا مزيد من القتل والهدم والجرائم الأخرى التي روعت فظاعتها ضمير كل حي.
فالحق في الحياة يا سادتنا مقدم على كل الحقوق الأخرى وكذلك على المطالب والانجازات " ومن أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعا" وأنا اعرف أن في ثقافتكم الدينية ما يؤكد كلامي هذا واسمحوا لي ان اذكر بعض الدلائل:
أولاً: دخلت فاطمة بنت عبد الملك على الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز فوجدته يبكي فقالت له ما يبكيك يا أمير المؤمنين، فقال لها عمر: ويحك يا فاطمة، لقد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت، فتذكرت الفقير الجائع، والمريض الضائع، والمسكين، والأسير، والكسير، والمرأة الوحيدة، والمحتاج الملهوف، والشيخ الكبير، وذو العيال الكثير، وأشباههم في الأرض، فعلمت أن الله سائلي عنهم يوم القيامة، وان خصمي دونهم محمد، فرحمت نفسي فبكيت.
ثانياً/ إن حياة الإنسان مقدمة على اعتبارات المواقف السياسية، أو حتى الكرامة بمفهومها الأيدلوجي الضيق، فقد قبل ذلك القائد الأسير ومعه عشرات الجنود الأسرى شرط تقبيل رأس هرقل مقابل الإفراج عن جميع الأسرى، وفعلا قام القائد الذكي بتقبيل رأس هرقل، وفاز الجنود بالحرية.. فالحق في الحياة مقدم على اي حسابات.
ثالثاُ/ طلب والى اللاذقية من الخليفة عمر بن الخطاب ان يسمح له بركوب البحر ل فتح جزيرة قريبة كانوا يسمعون صياح الديكة فيها عند الفجر( جزيرة قبرص)، فسأل عمر رجل الصحراء الذي لا يعرف الكثير عن ثقافة البحر والساحل، سأل داهية العرب عمرو بن العاص ماذا يعني ركوب البحر؟، فقال له يا أمير المؤمنين: خلق كبير يركبه خلق صغير، كالدود على العود، وليس ثمة والله إلا السماء والماء" ففزع عمر رجل الصحراء وقال لواليه لا والله لا آذن لك، فدم إمرء مسلم أحب إلى مما جمعت الروم...الحق في الحياة مقدم على الاعتبارات السياسية.
السادة خالد مشعل و رمضان شلح المحترمين.
هناك مئات القصص الإنسانية المحزنة في غزة، فأبناء شعبكم في المدارس بلا مقومات حياة، والسيدات المحترمات النازحات اللواتي فقدن بيوتهن يعشن بلا تلك الخصوصية التي تحتاجها النساء، والموت يا سادتي أهون على أحداهن من أن يدق احدهم عليها باب الحمام القذر، لتخرج منه لان هناك 3000 نازح في المدرسة ذاتها يردن دخوله!!
وطوابير الناس أمام المخابز بات مشهداً صادماً في شوارعنا المغمورة بالخوف من القصف العشوائي والطافحة بأكياس القمامة، وأضحى الحصول على ربطة خبز هو أمر مغمس بالذل والتدافع والعرق وساعات الانتظار.
الناس تتكدس في الحواصل، وتحت الأبراج، وفيما كان يسمى حديقة الجندي المجهول ، فلا ماء نظيف للشرب ولا استحمام، والناس هائمة في الشوارع، وفي مستشفى الشفاء الذي أصبح مخيماً جديداً، والنساء والرجال والأطفال يفترشون خرقاً بالية بين مبنى العظام ومبنى الباطنة ويتسلل بعضهم إلى قسم الأشعة ليحظوا بشيء من الظل أو مساحة للنوم في قلب صيف عنوانه الموت والحر والعطش.
انظر في ملامح الناس فأرى الخوف والوجوه المرتبكة المتعرقة، ولقد زاد منسوب العصبية والتوتر لدى الجميع، حتى من كان لديهم حكمة وطول بال أصبحوا أشخاصاً متوترين.
من فضلكم ننظر حولنا فلا نجد أحد معنا، فالعدو من أمامنا، والبحر والعدو من خلفنا، والسماء وطائرات العدو المنظورة وغير المنظورة من فوقنا.. فارحموا شعبكم بمبادرة سريعة، لأن كل ساعة تمر يسقط فيها ضحايا، وتتناثر أطراف، ويولد أيتام.. مبادرة من طرفكم تنقذ الحق في الحياة وتحميه لشعب نهاره ويل، وليله ويل وعتمة.. مبادرة من طرفكم تمنحنا وقتا لنحزن فيه كما يجب على ما فقدناه، وعلى من فقدناهم، فنحن بشر عاديون نحزن.. " وإن العين لتدمع وان القلب ليحزن وإنا لفراقك يا ابراهيم لمحزونون..."
وليس المطلوب الحديث عن بيان نصر أو بيان هزيمة، فكيف نتحدث عن نصر وكرامة المشردين والنازحين ما زالت منتهكة، و كذلك نحن لم ننهزم لان مقاومتنا المشروعة ورجالها النبلاء، استطاعوا النيل من جيش الاحتلال.. ولكن نريد أن نسمع كلاماً من شأنه أن يوقف هذا العدوان المسعور، والعنوان مصر.. ولا عنوان غير مصر..نقول لمبادرتها: " نعم ولكن.."
السادة القادة خالد مشعل ورمضان شلح
انتهى كلامي لأنني لا أجيد الكلام في السياسية وخصوصا في أجواء هذا العدوان الذي فرض علينا من طرف إسرائيل، ولكنني أؤمن بان النضال من أجل تحرير فلسطين ما زال طويلاً أمامنا ونحن نمتلك الوحدة والعدة، وأؤمن كذلك بقدرتكم على القيام بأفعال على المستوين التكتيكي أو الاستراتيجي لتحقيق أمرين لصالح شعبنا وبسرعة: إنقاذ الحق في الحياة وصون الكرامة من المساس بها. 292
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية