يعتزم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو القيام بجولة سياسية على عدة دول أفريقية، وهي الأولى التي يقوم بها رئيس حكومة إسرائيلية إلى أفريقيا منذ العام 1994، ويرجح أن تتم هذه الجولة بالتزامن مع الذكرى السنوية الأربعين لمقتل شقيقه يونثان، إثر عملية نفذتها مجموعة عسكرية إسرائيلية في العاصمة الأوغندية "عنتيبي" لتحرير ركاب طائرة تابعة لشركة "اير فرانس" بعد أن تم خطفها من قبل مجموعة من مناضلي الجبهة الشعبية في تموز 1976.
وتكتسب العلاقات الإسرائيلية ـ الأفريقية أهمية بالغة بالنسبة للجانبين، قد نتعرض لها في مقال لاحق على ضوء هذه الجولة، إلاّ أن الحديث عن هذه الجولة، يكتسب أهميته بالنظر إلى تقييم إسرائيلي لعلاقات الدولة العبرية مع العالم الشمالي، ذلك أنه استوقفني أثناء متابعتي للصحافة العبرية، مقالان تم نشرهما في "معاريف" و"يديعوت أحرونوت" الأسبوع الماضي، وملخص هذين المقالين، أن "العالم أصبح يشبه إسرائيل إلى حد بعيد"، ويبدو أن القارة الأفريقية، لا تزال أبعد من أن تكون كذلك، لهذا استعرضت أمر الجولة التي سيقوم بها نتنياهو إلى أفريقيا بعد أشهر قليلة.
اقتطف ناحوم برنياع في صحيفة "معاريف"، من مقالة نشرها شلومو بن عامي قبل أيام في موقع "بروجكت سينديكات" وهو وزير خارجية أسبق في حكومة باراك يشير فيها هذا الأخير، إلى أنه من المعتاد الإشارة دائماً إلى "أن استمرار الاحتلال يضر بمكانة إسرائيل الدولية.. إلاّ أن الحقيقة أن إسرائيل تتمتع بنفوذ عالمي غير مسبوق في تاريخها" أهمية هذا المقتطف ليس في صحة هذه الحقيقة، ولكن وأيضاً لأن قائلها هو أحد أقطاب حزب العمل تاريخياً، حتى بعد أن تحول هذا الحزب إلى اسم آخر، المعسكر الصهيوني بقيادة يتسحاق هيرتسوغ، هذا الأخير، الذي يتزعم المعارضة، مع عدد من قادة المعارضة، وقادة آخرين في التيار السياسي الإسرائيلي، عادة ما يحملون سياسة نتنياهو، الحصار السياسي الذي فرضه العالم على الدولة العبرية، هذا المقتطف، بالضد من ذلك، يشير إلى أن العالم تحول لكي يصبح حاضنة لإسرائيل حتى لو اعترض على سياساتها، وان الدولة العبرية فرضت على العالم التعاطي معها باعتبارها دولة عظمى ذات نفوذ عالمي ـ على الأقل ـ حسب شلومو بن عامي!!
بن عامي، يعود إلى الارقام لتوضيح فكرته، التعاطف الدولي يميل إلى الانخفاض، هذا صحيح، لكن هناك شركاء جددا لإسرائيل، فحتى العام 2014، تضاعف التصدير إلى آسيا ثلاثة أضعاف، التجارة مع الصين واليابان والهند أكثر مما هي مع الولايات المتحدة، الأهم من ذلك ـ حسب بن عامي ـ ان هذه الدول لا تربط علاقتها مع إسرائيل اشتراط التقدم في مسيرة السلام مع الفلسطينيين، وهناك دول تراعي المصالح الإسرائيلية وترغب دائماً في زيادة التعامل معها، بوتين أراد أن ينسق مع إسرائيل لدى دخول قواته إلى سورية، تركيا أردوغان استسلم لحقيقة أن حاجته إلى علاقة مع إسرائيل أهم من علاقته مع دول عديدة في المنطقة ويستجدي إعادة العلاقات أقوى مما كانت عليه، السعودية ـ حسب بن عامي، أيضاً ـ تحافظ على علاقات أمنية، سرية مع اسرائيل، والأمثلة لا حصر لها، النتيجة التي يصل لها بن عامي، أن هذه الحال، لن تشجع حكومة نتنياهو على الإقدام على تسوية مع الفلسطينيين، الأمر الذي يعتبر خطيراً على مستقبل الدولة العبرية!
وإذا كانت مقتطفات بن عامي، في مقالة ناحوم برنياع، تناولت التقارب الإسرائيلي مع العالم، تقريباً، فإن مقالة أوري سافير، صاحب الكتاب الشهير "السلام أولاً ـ تحديث مسارات السلام" فقد كتب في صحيفة "معاريف"، أن العالم بات أكثر تشبهاً بإسرائيل ليس من الناحية الاقتصادية والسياسية، كما أشارت مقالة برنياع في "يديعوت أحرونوت"، بل من الناحية السلوكية والقيمية، "فالعالم يصحو ويرتبط من جديد بقيمنا، دونالد ترامب لا يخفي حقده على المسلمين والسود، وينفر من المساواة للنساء، سيقيم سوراً عالياً مع المكسيك" وبعد أن تحدث عن نفوذ أحزاب اليمين في أوروبا، قارن مع إسرائيل قائلاً "إن العالم يشبهنا: محافظة دينية، كراهية للمسلمين والسود، العالم بات يعلم ما هو الارهاب، فالارهاب في بروكسل وباريس، كما هو الأمر عليه في إسرائيل!
إلاّ أن هذه الأمثلة، لا يسوقها الكاتب، إلاّ ليؤكد أن نتنياهو يفهم هذه المفارقات بطريقة خاطئة، فالعالم ما زال يفرق بين الإرهاب، وبين مقاومة الفلسطينيين لسياساته، والعالم كله ما زال يعتبر إسرائيل دولة تحتل أرضاً وشعباً آخرين. حتى دونالد ترامب، يؤيد حل الدولتين، وكونه يشبه إسرائيل، لا يعني أنه معها، ونسي نتنياهو كلمته المشهورة والصادقة: العالم كله ضدنا!!


Hanihabib272@hotmail.com
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد