أصبحت إسرائيل أكثر قلقاً، منذ توقيع الاتفاق النووي الذي تم العثور عليه، بين إيران والدول (5+1) والتي تزعّمتها الولايات المتحدة، حيث قامت بقطبيها اليمين واليسار سواء بسواء بشن حملة لا نظير لها ضد الاتفاق، وبالتالي ضاعف الأزمات الحاصلة مع البيت الأبيض والتي امتدت على مدار فترة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بفضل عدم وجود تناسق في السياسة المتبعة ولا على النطاق الشخصي أيضاً، حيث هددت باتخاذ سياسة منفصلة عن واشنطن، تهدف إلى إحباط الاتفاق أما سياسياً عن طريق التحشيد بواسطة الكونغرس الأمريكي، وإما بطريق تنفيذ هجوم عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأكثر امتعاضاً من وجود اتفاق كهذا، باعتباره لا يُلبّي المتطلبات الإسرائيلية ولا يُزيل التهديدات الإيرانية الساحقة باتجاهها، فبرغم كافة النداءات التي توجّهت إليه محليّاً ودوليّاً، بأن عليه الالتزام بالهدوء، إلاّ أنها مُجتمعة، تحطمت أمام إصراره على مواصلة الصخب، حتى برغم الأصداء المُعاكسة، التي تلت خطابه الجدلي، الذي ألقاه عشيّة التوقيع على الاتفاق من على منصة الكونغرس الأمريكي أوائل مارس 2015.
تلك الأصداء، لم تحُل دون إصراره على مُداومة بحوثه عن إيجاد طرق أخرى تساعد في ملاحقة الاتفاق، وكان من ضمنها قيامه بتأجيج المملكة السعودية كونها الأكثر مُعاناةً للسياسات الإيرانية في المنطقة ولنشاطاتها النووية بشكلٍ خاص، ومن ناحية أخرى تحريضها باتجاه تكوين تحالف ضد الاتفاق والتهديدات الإيرانية المحتملة.
بشكلٍ أو بآخر، استجابت المملكة للتوجهات الإسرائيلية، حيث أعلنت عن رفضها للاتفاق، أو عدم ارتياحها لتفاصيله على الأقل، باعتباره لن يكون رادعاً كافياً أمام إيران، كي تكُفّ عن نشاطاتها النووية، أو عن تهديداتها لدول المنطقة وخاصة تلك التي تعتبرها موجّهة إليها، وأعلنت عن أن مثل هذا الاتفاق سيدفعها إلى اقتناء قنبلة نووية.
الولايات المتحدة من جانبها، كانت دافعت عن الاتفاق باعتباره كافياً، لتحجيم قدرات إيران النووية، وبأنها لم تجد أفضل منه كي تقوم بتركه، ومن ناحية أخرى عملت بكافة السبل، وفي الاتجاهين السعودي والإسرائيلي بغية إسكاتهما، وسواء كان ذلك بمحو مخاوفهما، أو بإشغالهما باتجاه نشاطات أخرى.
فبالنسبة للسعودية تم إسكاتها، من خلال نشرها لوعودٍ، تُفضي إلى حماية حلفائها في المنطقة، وحمايتها بشكل خاص، من أي تهديدات إيرانيّة، ومن ناحيةٍ أخرى أعطتها الضوء الأخضر، كي تبدأ بعاصفة الحزم باتجاه اليمن، وبالنسبة لإسرائيل فعلاوة على رغبة "أوباما" في تسجيل اسمه باعتباره أنجز أكبر صفقة عسكرية في التاريخ الأمريكي، فقد أخذ على نفسه وعوداً بأن لإسرائيل الدلال الكامل في تسطير اشتراطاتها الاقتصادية والعسكرية، والتي سارع "نتانياهو" إلى انتهازها، لممارسة عملية ابتزاز غير مسبوقة باتجاه الأمريكيين ككل، ومُخفياً لها بإظهار حرصة على إنجاز الاتفاق على يدي "أوباما".
مؤسسة "أوباما" العسكرية الني لم تنتظر أن تسير الأمور بهكذا صعوبة، اضطرت إلى خوض مفاوضات مع إسرائيل بشأن إبرام اتفاق عسكري معها، لا يقل خشونة عن الاتفاق النووي مع إيران، والذي استمر على أعدادٍ طويلة من السنين، حيث أن المؤسسة إلى حد الآن، لم تستطع التوصل إلى اتفاق، ولا زالت المواضيع المدرجة في القائمة مُختلفاً عليها، برغم اللقاءات والمفاوضات المتعددة التي جرت بين الجانبين منذ حصول الاتفاق النووي وإلى الآن.
تأتي تلك الصعوبة من خلال يأس "نتانياهو" من استجابة أمريكية للمطالبات الإسرائيلية، والتي تتلخص بضرورة استلام إسرائيل وسائل وأعتدة عسكرية أمريكية، بما فيها التي تقع في دائرة المحرّمات العسكرية، التي لا يجب أن تُغادر أماكنها السرّية داخل الولايات المتحدة، بحيث تروي طموحه المُتّجه نحو تمكين إسرائيل – بواسطته- من الخروج من المرتبة التاسعة عسكرياً حسب تصنيف ((Global firepower، المُتخصص في قضايا الأمن العالمي، باعتبارها لديه مرتبة غير كافية.
إذاً، حرص "نتانياهو" – الظاهر-، في التوصل إلى اتفاق بشان المساعدات العسكرية الأميركية، قبل أن يُنهي "أوباما" فترة رئاسته، لا يبدو صحيحاً، لأنه- كما يبدو- هو الذي يُماطل بغية تعطيل أي اتفاق، وذلك انتظاراً لشاغلي البيت الأبيض الجدد، باعتبارهم يتنافسون على إرضاء إسرائيل، وسواء كان سرّاً أو علانية، سيما وإن من البديهي من يستمع إلى تلك المنافسات، فكيف له أن يتعجل اتفاقاً مع إدارة أمريكية لم تكن منسجمة معه في يومٍ من الأيام.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية