في ختام نقاش هام ومسؤول حول حالة المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال، قرر المجلس الاقتصادي والاجتماعي في حزيران 2015، مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة إبقاء الحالة قيد الاستعراض أولاً، ومساعدة النساء الفلسطينيات بجميع الوسائل المتاحة ثانياً، وتتوج الاجتماع بمطالبة الأمين العام أن يقدم تقريراً خاصاً، يأخذ بالاعتبار المعلومات المقدمة من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية، ووضعه أمام اجتماع لجنة وضعية المرأة في الأمم المتحدة في دورتها الستين.
وبالفعل، كنا أمام تقرير شامل مفصّل عن حالة المرأة الفلسطينية، يرصد الحالة ما بين تشرين الأول 2014 ولغاية أيلول 2015، بمعنى أن التقرير لم يغط الواقع الجديد بعد انطلاق انتفاضة الشباب الفلسطيني في الفاتح من تشرين الاول الماضي، بل وضع الواقع الذي تمخضت عنه الحرب على غزة عام 2014 تحت المجهر، جنباً الى جنب مع الواقع البائس في الضفة الغربية و القدس تحت الاحتلال، الذين مهدوا لانطلاق الانتفاضة الشبابية. 
تقرير الأمين العام الصادر تحت عنوان «حالة المرأة الفلسطينية وتقديم المساعدة إليها» غطَّى مروحة واسعة من احتياجات النساء الفلسطينيات للأمن والحماية، من الأمن المادي والصحي والغذائي والانساني إلى أمنها الشخصي والحياتي والنفسي، في الفضاءين؛ العام والخاص، واستعرض بشكل عام الحالة الاجتماعية والاقتصادية والصحية وعلى صعيد العمل والتعليم والمشاركة، مقدماً أشكال من سلّة المساعدات المقدمة من مؤسسات الأمم المتحدة في المجالات المختلفة، وفي نهاية استعراضه الإيجابي عموماً؛ طالب لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة بتقديم المزيد من المساعدات.
لقد استقى الأمين العام معلوماته من التقارير المقدمة من ثمانية عشر كياناً تابعاً للأمم المتحدة وعلى ما يرصده أفراد من الخبراء، وهي كيانات فاعلة وحاضرة عن كثب في المشهد الفلسطيني وتحظى بالاحترام على قيامها بالرصد والمراقبة وإعداد التقارير وتقديم الخدمات. 
من المهم الإشارة أيضاً، إلى أن التقرير قد قام بتقديم  استخلاصاته للواقع المهدّد والمحاط بمخاطر كارثية من جميع الاتجاهات. بعض الاستخلاصات تمسّ الوضع السياسي وقدِّمت اعترافاً هاماً مفاده صعوبة الحفاظ على مبدأ حل الدولتين في ظل سياسة الاحتلال الاستيطانية.
 والوجه الآخر لنتائج الواقع المأزوم، وطنياً واجتماعياً وتأثيره على واقع المرأة المعاش، بدءاً من اكتظاظ المخيمات وصعوبات الحركة والتنقل بين المناطق تحت الاحتلال في الضفة والقدس وفي المناطق المحاصرة المفروض عليها العزل والإغلاق في قطاع غزة، مروراً بما تشهده التجمعات البدوية من عمليات هدم وترحيل قسري وانتهاءً بربطه بين الواقع الوطني الكارثي وبين الإضرار بمصالح النساء الاجتماعية وعلى قدرتهن على كسب العيش، ومواجهتهن المستمرة لتحديات اتساع شريحة الأرامل ونسب الإعالة والفقر المدقع، واستمرار عادة التزويج المبكر التي وصلت الى نسبة 29% في غزة و21% في الضفة؛ إلى جانب استمرار حرمان النساء من نصيبهن في الإرث، ليستخلص التقرير حقيقة حرمان النساء الفلسطينيات من الوصول والحصول على العدالة.
ما أبغي الوصول إليه بعد استعراض أهم ما جاء عليه التقرير الهام الصادر عن الامين العام في نهاية عام 2015، أنه من جانب، شهد تطويراً ملحوظاً على جوهر قراءة إعاقة الاحتلال ونصيبها من تأخير نفاذ الخطط التطويرية لواقع المرأة الاجتماعي.. ولو كتبنا التقرير بأيدينا لما جئنا بأفضل منه.. لولا بعض الجمل والاستخلاصات النافرة التي يبدو لي أنه يقع علينا مسؤولية نقاشها مع مؤسسات الامم المتحدة العاملة في المناطق المحتلة التي استند إليها التقرير، من هذه الاشكاليات الفاقعة، ما ورد لدى معالجة التقرير واقع الاسيرات بعد الإفراج، والحُكْم الذي تبناه التقرير بأنهن «معرضات بشكل خاص إلى وصمة العار والتهميش من قبل تجمعاتهن المحلية»، وهو أمر مجافٍ للحقيقة والواقع المعاكس، فليس من الطبيعي التسرع بإلقاء الأحكام جزافاً ...!  
ولولا الفراغ والنواقص التي شكا منها التقرير وفق المطالعة الأولية الإيجابية بمنحاها واتجاهها العام، وهنا لا بد من تسجيل النقد على الفراغ الذي شهده التقرير، وبما يجعل ما اورده التقرير ذا أهمية، فقد تجاهل واقع النساء الفلسطينيات في بلدان اللجوء والشتات وأثر الصراع العربي الداخلي على حيواتهن واستقرارهن وأمنهن وحقهن بالوصول للعدالة، وكأنه يعرِّف المرأة الفلسطينية بمن تعيش. 
وينقص التقرير تحديد المهام الملقاة على عاتق الأمانة العامة للامم المتحدة لمعالجة استخلاصها الرؤيوي ممثلاً: بإقرار التقرير واعترافه بالارتباط الوثيق والمتوازي بين تحسين حالة المرأة الفلسطينية وبين نجاح الجهود المبذولة لتحقيق السلام! ويخلو التقرير ثالثاً من الأجندة التي ينبغي على الأمم المتحدة الضغط بها تجاه استكمال إعادة إعمار قطاع غزة في ضوء تسجيلها بقاء دمار الجزء الأكبر من المنازل والمدارس والمرافق  على حاله.. ومسؤولياتها في تنفيذ الاتفاق الذي توسطت في وضعه لتسهيل دخول المواد اللازمة للبناء.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد