لعلّ من أبرز تداعيات الأزمة السورية منذ سنواتها الخمس، بروز أكراد سورية كرقم صعب على الخريطة الإقليمية والدولية، كمقاومين للإرهاب من ناحية والوقوف في وجه الأردوغانية من ناحية، وقدرتهم على استثمار الأزمة لصالح تطلعاتهم، من إعلان الإدارة الذاتية قبل بضعة أشهر إلى الإعلان مؤخراً عن فيدراليتهم، وهو الأمر الذي فرض نفسه على الخارطة السياسية على الرغم من عدم الترحيب بهذه الخطوة من قبل الأصدقاء والحلفاء قبل الأعداء والخصوم، خطوة تم الإعداد لها مطولاً على الرغم من تزامنها مع بعض التطورات، الانسحاب الروسي من سورية، مباحثات جنيف حول الملف السوري، تلك المباحثات التي استبعدتهم كطرف فيها، وكأن هذه الخطوة جاءت كرد على مثل هذا الاستبعاد، إلاّ أن هذا التزامن لم يكن في الحسبان عندما أعد الأكراد لإعلان فيدراليتهم.
وهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الكرد هيكلاً مستقلاً لدولتهم، ففي أواسط الأربعينيات تم الإعلان عن "جمهورية مهاباد" شمال غربي إيران، إلاّ أنها لم تستمر سوى أقل من عام بقليل بعدما نهضت ضدها مجموعة من المصالح الإقليمية والدولية، مما أسقطها.
إلاّ أن الظروف الإقليمية والدولية، هذه المرة قد تمنح الهيكل السياسي الجديد للأكراد فرصة أفضل لإثبات وجوده من الناحية الواقعية، فعلى الرغم من الرفض الروسي والأميركي لهذا الإعلان، إلاّ أن هناك مؤشرات قوية، تؤكد ـ أو تكاد ـ على أن كلا من موسكو وواشنطن، لا تتجاهلان فرصة إثبات هذا الهيكل الفيدرالي ووجوده كحقيقة فرضها الأكراد على كافة الأطراف، إلاّ أن امتناعهما عن دعم هذه الخطوة، مجرد تكتيك تفرضه تحولات وتداعيات الأزمة السورية، وقد سبق أن كانت هناك عدة تصريحات انطلقت من العاصمتين حول احتمالات التقسيم في سورية، واحتمال أكثر واقعية بشكل من أشكال الاستقلال للأكراد، وهو الأمر الذي أدى إلى تخوّف تركي مستمر من هذا الاحتمال، ورسم طبيعة التعاطي التركي مع ملفات الأزمة السورية، وعلى الأخص تشجيع بعض قوى الارهاب، ظناً من أنقرة أنها بذلك تضع العصي في دواليب الحكم الكردي بدولة مستقلة على حدودها مع الدولة السورية.
لتوفير فرصة أفضل لنجاح هذه الخطوة، فقد تم الإعلان عن الفيدرالية الكردية اثر اجتماع ضم حوالي 150 شخصية من شخصيات الشمال السوري، ضمت عرباً وسريانا وأشوريين وتركمانا وأرمن، حيث تم اقرار النظام الفيدرالي ـ روج أفا ـ ومن اللافت أن رئاسة هذه الكونفدرالية، برئيسين، العربي منصور السلومي والكردية هدية يوسف، وهنا يجب التوقف ملياً مع هذه الإشارات، باعتبار الفيدرالية استقلالاً، ولكنها إدارة ذاتية متقدمة في إطار الدولة السورية، إضافة إلى البعد المتقدم والمدني لهذه الفيدرالية، باختيار امرأة كرئيسة مشاركة لهذا الهيكل الجديد، الذي لم تتحدد خريطته الجغرافية بعد، ربما بانتظار تداعيات إضافية على الملف السوري، وتحوطاً من مشكلات قد تترافق مع هذا الإعلان، ليس في وارد الأكراد معالجتها حالياً، آخذين بالاعتبار المشكلات التي لا تزال تواجه حدود "الدولة الكردية" في العراق، إضافة إلى احتمالات التقسيم لمختلف الفئات الدينية والاجتماعية السورية.
وإذا كان من حق الشعب الكردي تقرير مصيره، وهو حق له يجب ألا ينازعه به أحد، فإن مثل هذا الحق سيكون من الأفضل أن يتم من خلال استفتاء، حتى لو كان الأمر شكلياً كما يقول البعض، ففي ظل مثل هذا الاستفتاء، تصبح الفيدرالية الكردية ناجمة عن إرادة شعبية وليس مجرد مطلب من القيادات والشخصيات الكردية، وهي غير منتخبة أصلاً.
ثم إن أي فيدرالية، كالولايات المتحدة وألمانيا ـ على سبيل المثال ـ تترجم عن توافقات مع كل قطاعات الشعب أو شعوب الدولة، بالتراضي والتوافق التامين وليس استقلالاً من طرف واحد يفرض نفسه على الأطراف الأخرى، وهذا الأمر بالغ الأهمية لتكوين وتشكيل الدولة الفيدرالية، وأخذ بالاعتبار مصالح كافة قطاعات شعب أو شعوب هذه الدولة، من حقوق وواجبات.
إلاّ أن أهمية هذا الإعلان الكردي، تعود كما نرى إلى أنها تأخذ بعداً قومياً، وهو جوهر قيام الدول والأنظمة السياسية، وذلك في مواجهة لا بدّ منها لدعاة التقسيم على أسس مذهبية وطائفية، وهو الأمر الذي لا يكتسب أية ضرورة، والدول في الأساس تقوم عموماً على أسس قومية وليست دينية، باستثناء الدولة العبرية، التي يجب ألا يتوفر لها نموذج قادم في منطقتنا العربية!!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد