تقرير فلسطيني: احذروا الوجبات السريعة

وجبات سريعة

رام الله / سوا / ناقش تقرير صحفي موسع لمركز العمل التنموي/ معا ونظراً لاهتمامه بالقضايا الصحية التنموية ظاهرة زحف مطاعم "الفاست فود" الوجبات السريعة في السنوات العشر الأخيرة ، في محاولة لمتابعة تلك الاطعمة السريعة من الزوايا الصحية، حيث كشف التقرير بعض الحقائق التي تثير القلق صحياً في الزيوت والسلطات على وجه التحديد، مع الإشارة إلى أن تلك الوجبات الجاهزة، بلغت من حيث نسب الإنفاق للأسر الفلسطينية من مجمل مصاريف الطعام الأخرى 12%، حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2011.

من اهم الانطباعات التي استقاها التقرير الذي اعدته الصحفية ربى عنبتاوي، بعد قيامها بجولة شملت عدة مطاعم للوجبات السريعة، هي أن ثقافة "الفاست فود" تنتشر لكنها ما زالت تحتل المرتبة الثانية بعد الأكل الشرق أوسطي العربي، البائعون في مطاعم "الفاست فود" وصناعها يحاولون تجنب تناولها، الوكالات العالمية تستخدم مساحيق من المنكهات والمواد الحافظة تأتي مغلقة في أكياس ولا تفحص فلسطينيا، زيت القلي رغم ما أعلنه التجار، إلا أن المعطيات من الجهات الرسمية حول الزيت والسلطات والدجاج والتي سنسردها لاحقا تثير القلق.

وزارة الصحة: في بداية الحملة كانت المخالفات الصحية كبيرة، اما اليوم فالوضع افضل

يشير مدير دائرة صحة البيئة وفي وزارة الصحة د.ابراهيم عطية لمركز معا إلى البدايات المثيرة للقلق في فحوصات وزارة الصحة قبل 7 سنوات والتي أثبتت مخالفات عدة في فحوصات القلي (ارتفاع نسبة البروكسيد المسرطنة) مشيراً إلى أنهم استهدفوا بالدرجة الأولى زيوت قلي الفلافل في المطاعم التي يزيد الإقبال عليها وخاصة في مراكز المدن، لكنه عاد وأشار إلى أنه ونتيجة الفحوصات المتكررة في السنوات الأخيرة، فقد قلت النسبة كثيراً من حيث المخالفات، لكنها ما تزال موجودة .

وكشفت فحوصات القلي في البدايات، ارتفاعاً كبيراً لدى محال الفلافل في نسبة البروكسيد الناتج عن الحرارة العالية، اما زيوت قلي "الفاست فود"، فيشير د. عطية إلى أنها لا تُفحص بسبب عدم توفر العبوات المتحملة لدرجات الحرارة المرتفعة للعينات. وحول العقوبات فأشار د. عطية إلى أنها تبدأ بالتحذير، ثم رفع التقرير إلى القضاء ليأخذ مجراه .

وحول المواد المنكّهة والحافظة لإضافة الطعم "للفاست فود" والتي تأتي محكمة الإغلاق في أكياس من الخارج، فقال أنها تتبع الأكل المستورد الذي لا يخضع للفحص عادة، ولكنه لفت إلى عملية ضبط أخيرة لأكياس منكهات منتهية الصلاحية، مشيراً إلى أنها كانت لوكالات عالمية.

250 حالة تسمم بالسالمونيلا تسجل سنوياً، لكن الرقم الحقيقي اكبر

وحذر د. عطية من القلي والشواء للدجاج والحبش على وجه الخصوص، مستنداً على معطيات تصل الوزارة حول قابلية الدجاج للإصابة ببكتيريا السالمونيلا، والتي لا يتم القضاء ليها إلا بسلق وغلي الدجاج، أما القلي السريع في محال "الفاست فود" والذي لا يزيد عن خمس دقائق فليس كفيلاً بالقضاء على تلك الجرثومة التي قد تكون بالدجاج بنسبة 30-40%، مؤكداً انه حتى الوكالات العالمية التي تعتمد على مصادر لحوم محلية ليست بمعزل عن السالمونيلا.

"لو تأملنا دجاجة مقلية ووجدنا لحمها ما زال محمرا من الداخل، فذلك معناه أن القلي غير كافي المدة، ويحتاج وقتا أطول" يؤكد عطية أنهم يوصون دائما أصحاب المحال بإطالة مدة القلي وان تزيد عن 70 درجة مئوية وخاصة لقطعة الدجاج الكبيرة، لتعقيم الدجاجة في حال حملت جرثومة السالمونيلا"

"الفاست فود كلو غلط" يقول د. عطية مستشهداً بالعديد من حالات الإصابة بالسالمونيلا التي وصلت إلى 250 حالة سنوياً لكنها لا تعكس الواقع الذي يراه أكبر.

بلديتا البيرة ورام الله تكشفان حجم الانتهاكات في المطاعم ومن ضمنها الفاست فود

في سؤال د. إياد ضراغمة مدير دائرة الصحة في بلدية البيرة عن آلية فحص المطاعم ومن ضمنها الوجبات السريعة، فأشار إلى أن الفحص يتم من خلال لجنة السلامة العامة المؤلفة من مفتشي وزارة الصحة والمحافظة، وظيفتهم اخذ العينات للفحص المخبري، ومفتش من البلدية وظيفته الفحص الحسي للطعام ونظافة المحل والعمال، ومفتش من وزارة الاقتصاد لمراقبة الأسعار ودواليك من وزارتي الزراعة والعمل.

وأكد د. ضراغمة أن الفحصين اللذين يتم اعتمادهما وخاصةً للسلطات في الوجبات السريعة من خلال اللجنة، هما: لفحص نسبة البكتيريا والجودة أو ما يعرف علمياً بـ coliform Total ، والفحص البرازي لتحديد نسبة النظافة ويعرف بـ fecal Coliform، مشيرا إلى أن هناك العديد من المطاعم التي تكون نتائجها نظيفة، وأخرى عديدة تفشل، مشيرا إلى أن نسبة رسوب المطاعم في محافظة رام الله فيما يتعلق بالسلطات تصل إلى 12.5%. وعن فحوصات زيت القلي فتتم بشكل منفصل لتحديد نسبة البروكسيد ويجدها نسبتها قليلة مقارنة بفحوصات السلطات.

"التفتيش يتم وفق برنامج عمل وبشكل دوري، كل مطعم يفتش مرة شهرياً، المطاعم المخالفة تفحص بعد أسبوع من التنبيه الأول، وفي حال تكرار الانتهاك الصحي يحول الملف للقضاء". يشير د.ضراغمة.

وحول حق المواطنين بمعرفة المطعم المخالف لضمان سلامتهم، لفت د.ضراغمة أن النشر بالإعلام لا يجوز إلا بعد صدور قرار المحكمة حتى لا تدخل البلدية في متاهة قضايا التشهير، لكن في ذات الوقت أشار إلى أن كونه طبيبا بيطريا وفق قانون المجالس المحلية، فله حق غير قابل للطعن فيما يتعلق بإتلاف اللحوم الفاسدة ومصادرتها فورا مهما بلغ حجمها. وهذا ما حدث في حالات عدة.

بلدية رام الله: زيارة 80 مطعماً شهرياً

يشير د. نضال ناصر، طبيب بلدية رام الله، إلى أن الفحص الدوري الذي يشمل كافة المطاعم يتم مرتين أسبوعيا يومي الأحد والخميس، حيث يتم مراقبة وفحص كل محتويات المطعم (جودة المنتجات: لحوم، زيوت قلي وسلطات يتم فحصها في مختبرات وزارة الصحة)، طرق التخزين، نظافة العمال، وجود بضائع مستوطنات أو إسرائيلية من دون بطاقة تعريف بالعربي).

"من الوارد جدا رسوب عينات من زيت القلي، وما لوحظ أيضا أن زيت التخزين يكون مليئاً بالبروكسيد المسرطن، وهذا يدلل على أن المطعم إما يشتريه قديما أو يعيد تخزينه بعد استهلاكه" يقول ناصر مشيرا إلى أن مجموع ما يفحص من المطاعم شهريا يصل إلى 80 مطعماً، بمعدل زيارة واحدة لكل مطعم شهريا أما المخالف فيتم تنبيهه أول مرة وزيارته بعد أسبوع، فإن استمرت المخالفة يتم احالة الملف إلى المحافظة التي تتابع الموضوع في القضاء.

وأكد د. ناصر من متابعاته في البلدية على رسوب العديد من فحوصات السلطات بعد اكتشاف البكتيريا القولونية البرازية فيها، وهذا أن دلل على شيء فهو يرجع إلى عدم نظافة العمال أو الخضراوات نفسها حيث تكون غير مغسولة أو نظيفة المصدر. داعياً إلى إخضاع العمال لفحص تشرف عليه وزارة الصحة من حيث الخلو من الأمراض وذلك بشكل دوري.

وحث د. ناصر المواطنين ممن يرتادون المطاعم على زيارة مطبخ كل مطعم للتأكد من نظافة الأدوات والطعام والعمال وتساءل: "لا اعلم لماذا يخجل الناس من دخول المطابخ الخاصة بالمطاعم والتأكد بأم عينهم" مطالبا المواطنين بإبلاغ البلديات عن أي مطعم مخالف وعدم التردد في ذلك بدءاً من عدم ارتداء الطباخين للكفوف أو الطاقية على رأسه، أو عدم نظافة الأدوات المستخدمة، أو الاشتباه بفساد الأطعمة، مؤكداً أن المخالفات موجودة لكنها مراقبة في المناطق التي تخضع لسيطرتنا، اما المناطق الأبعد مثل كفر عقب وأم الشرايط ونظيراتها فالمخاوف أكبر، وعلى المواطن أن يكون حذراً ويعتمد على أكل منزله المطهو تحت عينه.

الأضرار الصحية من ادمان الفاست فود

تشير خبيرة التغذية المقدسية سهى خوري في حديث مع مركز معا إلى مخاطر "الفاست فود" على الصحة الجسدية والنفسية والمزاجية، موضحة انه وبالرغم من عيشنا في عصر السرعة، وأننا بسبب مشكلة قلة الوقت نبحث أحيانا عن الطعام الجاهز والوجبات السريعة، فهي من جهة تحل مشكلة الوقت ومن جهة أخرى هي غير مكلفة ولذيذة المذاق، ولكنها تسبب الكثير من المشاكل الصحية، وتتمثل بالأمراض الآتية: مرض الازما (الربو)، أمراض القلب والشرايين، الأمراض السرطانية، والسمنة ومرض السكري.

تضيف خوري بأن الوجبات السريعة تسبب أيضا تقلبات نفسية مزاجية، فبعد تناول وجبة "فاست فود" يشعر الإنسان بالثقل العام والتعب النفسي بسبب تأثير الوجبات السريعة على خلايا الدماغ. حيث أكدت نتائج دراسة عالمية أن استهلاك الوجبات السريعة يرفع من خطر الإصابة بالاكتئاب بمعدّل 42%. أما أنواع الوجبات التي وجدت ذات علاقة بالاكتئاب، فهي ما يأتي: - النقانق، الهامبورغر، الكرواسون، البيتزا، الجاتوه، المعجنات الدسمة، الدوناتس.

أما عن المشروبات الغازية التي ترافق الوجبات السريعة، فحذرت خوري ايضاً من بحث أجراه علماء أستراليون عام 2010 تأثيرها على الحالة النفسية، حيث يزيد خطر الإصابة بالإكتئاب والضغط النفسي بمعدّل 60% لدى الأشخاص الذين يستهلكون أكثر من نصف لتر من المشروبات الغازية يوميا مقارنة مع أولئك الذين لا يستهلكونها بتاتا.


الأكل الشرق أوسطي هو السد المنيع أمام البدانة

أما إختصاصية التغذية أثار العجولي والتي تستقبل في عيادتها في رام الله كثيراً من الحالات التي تشكو من البدانة بهدف الرغبة بإنزال الوزن وخاصةً للسيدات فوق العشرين، والأطفال بين الأعمار(5-18 عاماً)، فتشير إلى أن ثقافة "الفاست فود" المليء بالدهنيات المشبعة والسكريات بدأت تنتشر في الفترة الأخيرة وتنافس الغذاء الفلسطيني الشرق اوسطي الذي يتميز بغناه بالفيتامينات والمعادن، والعناصر الغذائية المتنوعة.

"تناولنا في بيتنا لوجبة الملوخية، تغنينا عن كثير من الدهون والمنكهات والمواد الحافظة والزيوت المهدرجة، عدا أنها تزود جسمنا بالفيتامينات والمعادن والبروتين، التي ستجنبنا فقر الدم والأنيميا والأمراض الأخرى". تؤكد العجولي.

وتضيف العجولي ومن متابعتها لرواد عيادتها، بأن البدانة تنتشر أيضا لدى الموظفين والموظفات ممن يعتمدون على الفاست فود والمعجنات والسكاكر خلال أوقات الدوام عبر وجبتي الفطور والغذاء وما بينهما، مشيرة إلى أن وضعنا حتى الآن ما زال افضل من الولايات المتحدة التي تنتشر فيها شركات ومطاعم الوجبات السريعة بشكل كبير، مشددةً على أن الأكل الشرق الأوسطي هو الأفضل والأسلم لصحتنا ورشاقتنا.

"ما ألاحظه أن الأم تكون بوزنها الصحي وأطفالها عندهم سمنة"، وذلك تفسره العجولي بأن الأم ربيت على طعام أمها وجدتها الصحي الغني بالعناصر الغذائية، ولكنها أخذت تبعده عن أطفالها، نظرا لكونها عاملة أو لإيقاع الحياة السريع والميل إلى الرفاهية الزائدة". مشيرةً إلى إحصائية فلسطينية تفيد ان السمنة ارتفعت في السنوات الخمس الأخيرة من 9% إلى 13%.

"الأهل والمدرسة يقع عليهما الدور الأكبر، ولكن إن لقي الأطفال التشجيع والدعم منهما لهذا الطعام فطبيعي أن نرى مزيداً من الإقبال فالبدانة والأمراض الناجمة عنها، وانتشار ثقافة "الويك اند في المطاعم" وزيادة الرفاهية والدلال لأطفالنا قد يجلب تداعيات غير مرغوب فيها صحياً". تختم العجولي.

صحافي أميركي يكشف حقيقة "الفاست فود"

في سياق العودة للجذور الأساسية للمشكلة ألا وهي: "ثقافة الغذاء السريع المستورد الفكرة من أميركا" والذي غزا العالم بأسره، فمن المهم الإشارة إلى أهمية ما قام به صحافي أميركي جريء يدعى اريك شلوزر تحدى كبرى شركات "الفاست فود" وفضح ممارستها المقززة وغير الصحية في صناعة اللحوم المصنعة والمستخدمة في "الفاست فود"، حيث سرد كل مجريات رحلته الاستقصائية في سبر غور تلك الصناعة، وقام بجمعها في كتاب أطلق عليه "أمة الفاست فود" عُدّ من أهم 10 تحقيقات استقصائية في التاريخ.

يكشف الكاتب الاميركي ايريك شلوسر حقائق مروّعة وفضائح وملاحظات هائلة، في عالم الوجبات السريعة. من نواح عدّة اقتصادية واجتماعية وعلمية. ويعتبر كتابه بمثابة تحقيق صحافي مطول، يمتد من المقاطعات الفرعية لكاليفورنيا، حيث ولّدت هذه الصناعة، إلى المنطقة الصناعية، يقول المؤلف: " لقد عجّل الأكل السريع في إفساد طبيعتنا، ووسّع الهوة بين الفقراء والأغنياء، وغذّى داء البدانة، وحثّ على الإمبريالية الثقافية الأميركية في الخارج".

يبدأ شلوسر باقناع القارئ بخطورة تلك الوجبات "العملاقة"، من الصفحة الأولى حيث يعرض كيف يغزو الأكل السريع كل الأماكن العامة بدءاً من المدارس الابتدائية والملاعب والمستشفيات والجامعات، وصولاً إلى حدائق الحيوانات والمطــارات. ثـم تتعاظم الخطورة شيئاً فشيئاً حين يوضّح كيف تطوّرت أهمية هذه الوجبات في الحياة اليومية لتصبح ضرورة لا غنى عنها: "ينفق الأميركيون الآن على الوجبات السريعة أكثر مما ينفقوه على التعليم العالي أو الحــواسيــب الشخصـية أو برامـج الكومبيوتر أو السيارات".

لكن الأسوأ بالفعل في كتابه هو ما يأتي لاحقاً عندما يجوب (ايريك سلوشر) خلف مصادر الوجبات اللذيذة الطعم، حيث يزور مزارع الأبقار ومسالخ اللحوم، ومصانع تعبئة وتغليف تلك اللحوم. حيث يفرد لها صفحات طويلة في فصول (مسننات في آله كبيرة، العمل الأشد خطورة، ماذا يوجد في اللحم) وتعتقد لوهلة، وهو يصف جولته داخل أحد المسالخ أنك تقرأ وصفاً لأحد أفلام الرعب المعوي.

في دراسته لصناعة اللحوم في الولايات المتحدة، يجد شلوزر أن شركات تلك المصانع تستغل العمالة المهاجرة، كما تعّد نسب الإصابات في العمل من أعلى الوظائف في الولايات المتحدة، وبالنسبة للخطوات المتبعة في تصنيع اللحوم فيكشف عن العديد من الممارسات الخطرة غير المعروفة لكثير من المستهلكين، مثل ممارسة تقديم الخنازير والخيول النافقة، ومخلفات الدواجن في تغذية الماشية. والتي وفق شلوزر هي المسؤولة عن اعتلال الدماغ الاسفنجي البقري أو ما يعرف بجنون البقر، فضلا عن ادخال البكتيريا الضارة في الامدادات الغذائية كتلك القولونية.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد