أوقف تصريح وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون، حول العلاقة مع تركيا، كافة الآراء التي كانت ترى أن انطلاقة جديدة للعلاقات بين البلدين باتت قريبة جداً، يقول يعالون في تصريحه الإذاعي، إن هناك عثرات تقف في وجه استعادة هذه العلاقات بالنظر إلى إصرار تركيا على رفع ما أسماه الطوق الأمني على قطاع غزة ، وهو ما ترفضه إسرائيل، بينما انقرة بدورها ترفض المطلب الإسرائيلي بإغلاق مكاتب حركة حماس في اسطنبول.
أولاً، يجب الإشارة إلى أن العلاقات بين البلدين لا تزال مستمرة بشكل جيد على كافة الأصعدة الأمنية والاقتصادية والسياحية، وان المطلوب لدى الطرفين إيجاد مناخ أكثر اقتراباً من العلاقات الاستراتيجية، إذ لم تتأثر مختلف الملفات الأساسية في هذه العلاقات بالإرباكات التي حدثت إثر مسألة الباخرة مرمرة، وحتى قبل ذلك، عندما أهانت إسرائيل سفير تركيا في مكاتب وزارة خارجيتها، فإن كافة الملفات الأساسية في العلاقات بين البلدين، لم تتأثر من الناحية العملية، تصريح أردوغان الشهير بأن كلاً من البلدين، بحاجة إلى بعضهما، يعكس طبيعة العلاقات العملية بينهما، ما يظهر على السطح من هذه العلاقات، لا يعبر في الواقع عن حقيقتها.
تصريح يعالون بالغ الأهمية، ليس لأنه تحدث عن معيقات تجديد العلاقات الاستراتيجية مع تركيا، بل لأنه أشار ضمناً إلى طبيعة الموقف الإسرائيلي من هذه العلاقات على خلفية التداعيات التي أثرت تأثيراً مباشراً على الموقف التركي من هذه العلاقات، فقد أدركت إسرائيل أن تركيا باتت في مأزق كبير وخطير، إثر إسقاطها للطائرة الروسية وما نجم عن تأثيرات مباشرة على الدور التركي في أحداث المنطقة المتلاحقة، لم يعد هناك أصدقاء تعتمد عليهم أنقرة في مواجهتها السياسية والأمنية مع الروس، حتى أن حلف الأطلسي بات أكثر حذراً في التعامل مع الأزمة بين تركيا وروسيا خشية من أن أردوغان يورط بسياساته المتحذلقة دول الحلف في معارك هو بغنى عنها، على الأرض لم تستجب القوى الغربية لمطالب أنقرة بخصوص المنطقة العازلة، وأكثر ما قدمته هذه الدول، صفقة مع أنقرة بخصوص اللاجئين، تركيا باتت في موقف أكثر ضعفاً، وهي تبحث عن أصدقاء بهدف استعادة دورها المفقود، إسرائيل هي إحدى أهم القنوات لإنقاذها من هذا الضعف، والتحالف معها يوفر لها أمنية ممكن معها، أن تستعيد هذا الدور الذي تراجع بسبب عنتريات أردوغان الفارغة.
وإسرائيل بدورها، باتت تدرك هذا الضعف وهشاشة الموقف التركي جرّاء أحداث المنطقة المتسارعة، لذلك فإن تصريح يعلون يشير من جديد إلى أن إسرائيل في موقع أفضل في مفاوضاتها مع تركيا، وأن ابتزاز أنقرة بات أمراً ممكناً، بل حتمياً للضغط على الحليف التركي لمزيد من التنازلات لاستعادة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
حاولت تركيا أن تلعب لعبة سياسية توحي بالذكاء من حيث الشكل، للتهرب من الابتزاز الإسرائيلي، فتحولت نحو إيران، من خلال الزيارة التي قام بها أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي لطهران مؤخراً، رغم التعارضات بين البلدين، خاصة على الساحة السورية، واعتقد البعض أن هذا التقارب المصطنع من قبل تركيا مع إيران، يعود فقط إلى التخوف من قيام هياكل سياسية كردية، يعتبرها الطرفان خطراً على أمنهما القومي، هذا صحيح نسبياً، إلاّ أن توقيت هذه الزيارة، يشكل مؤشراً على أن أنقرة تحاول إيجاد عنصر ضغط على إسرائيل من خلال تقوية أواصر العلاقات بينها وبين طهران، العدو اللدود لإسرائيل، ويمكن استنتاج ذلك، من خلال البيان المشترك إثر اجتماعات طهران، فقد أشار هذا البيان إلى «أن أمن المنطقة واستقرارها يستدعيان التعاون بين البلدين».
إسرائيل لا يبدو أنها منزعجة من هذا التقارب، فهي تعلم أكثر من غيرها أن التعاون بين طهران وأنقرة محكوم بالتناقضات والتعارضات والمصالح المتضاربة على العديد من الملفات والصعد، خاصة وأن تركيا باتت عضواً فعالا في التحالف الذي تقوده السعودية التي هي في حالة حرب باردة شديدة مع إيران، ناهيك عن «المواجهة» العسكرية الأمنية على الأرض السورية بينهما، محاولة الانزياح التركي باتجاه إيران، مجرد لعبة سياسية مكشوفة بالنسبة لإسرائيل، ولا تشكل أداة ضغط عليها في أية صفقة تجريها مع تركيا، كما اعتقد أردوغان من خلال استذكاء مصطنع لا يجعل من تركيا قادرة على الرد على الابتزاز الإسرائيلي، بل يجعلها مضطرة لتنازلات أكثر في أية صفقة قادمة لإعادة العلاقات بين البلدين.
إسرائيل ليست مستعجلة، بينما الملفات الأساسية بين البلدين لا تشهد أي تراجع، وتركيا في وضع صعب وهش، وبحاجة إلى الحليف الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى، والمهمة الأساسية التي تطرح نفسها على أردوغان هذه الأيام هي كيفية النزول عن شجرة الاشتراطات التي لا بد وأنه ندم على طرحها!!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد