تتصاعد تداعيات انضمام دولة فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية، فبعد التعبير عن سخطها وغضبها، وبعد أن جهدت في إطلاق الأكاذيب والادعاءات الكاذبة، ومن ثم محاولة تشكيل لجان للتعامل مع ملف القانون الدولي بما في ذلك احتمالات توجه الفلسطينيين إلى المحكمة، شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في معركة رخيصة تهدف إلى الحد من تداعيات جهود منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية عبر التشكيك في نزاهة وحيدة هذه المؤسسات والنيل من شخوصها مدراءها وموظفيها ولاسيما من يتبوؤون مناصب قيادية فيها.

 

تقوم الفكرة على تحطيم الخصم معنوياً وصولاً إلى التشكيك في كل ما يصدر عن هذا الخصم عبر هز ثقة الأطراف المختلفة بالمؤسسة وبالتالي انتاج هذه المؤسسة ما يعني تدميره مادياً والقضاء عليه.

 

ولهذا أطلقت دولة الاحتلال حملة مسعورة بدأت بمؤسسة الحق ولن تنتهي قبل أن تطال منظمات حقوق الإنسان كافة. وتقوم الاستراتيجية الإسرائيلية على إرسال رسائل لموظفي المؤسسات تتضمن سيلاً من الأكاذيب والافتراءات منها ما يشير إلى صراع داخل المؤسسة حول خطوة التوجه للمحكمة الجنائية نفسها وغيرها من الآليات الدولية، لتظهر بعض القياديين كمن يعرقل جهود المؤسسة في هذا السياق وتحدث نوع من البلبلة والتشكيك داخل صفوف موظفي المؤسسات. ومن ثم تنتقل لافتعال صراعات بين المدراء وزملائهم القيادين الآخرين لتفتعل أحداثاً ليس لها أساس على الإطلاق، ومن ثم تتوجه لاستهداف الجمهور بشكل عام من خلال التشكيك في نزاهة وشفافية عمل المؤسسات ومدراءها بادعاءات باطلة سرعان ما يكشف زيفها. وأكثر من ذلك فإن من يقف وراء الحملة يعمد إلى اختلاق بيانات صادرة عن جهات رسمية حكومية أو حزبية أو شركات تدقيق أو مانحين، تتضمن قدحاً وذماً وتشكيكاً وعندما تراجع المؤسسة هذه الجهات تقف على حقيقة أن كل ما أشيع لا يعدو كونه محض افتراءات، الأمر الذي دفع بعض القياديين إلى إصدار بيانات لاستنكار تلك الشائعات واستنكار زج اسم السلطة فيها، بل والتأكيد على مهنية ونزاهة المؤسسات.

 

إن ما جرى حتى الآن يشير إلى أننا في بداية حملة ستكون شرسة وقذرة في الوقت نفسه، ولاسيما وأن ما قدم من منظمات حقوق الإنسان لا يعدو كونه خطوة أولى ستتلوها خطوات ربما أشد تأثيراً وضرراً على دولة الاحتلال، وبالتالي فإن رد الفعل سيكون أشد قسوة وبأدوات رخيصة وقذرة، في ظل عجز دولة الاحتلال بأركانها عن مواجهة الخطاب الحقوقي الفلسطيني في كل الميادين.

وهذا يطرح تحديات جدية أمام منظمات حقوق الإنسان، فهل ستنجح في مواجهة هذه الحرب القذرة؟ أعتقد أن منظمات حقوق الإنسان ستنجح، لأنها تستند إلى إرث نضالي طويل واجهت فيه أشد التحديات وعجنتها التجربة وعجنت مناضليها سواء في مواجهة الاحتلال، أو مواجهة التحديات الداخلية قبل الانقسام وفي ذروة الاشتباك الداخلي وبعد الانقسام، وبالرغم من تنوع التحديات صمدت في وجه كل أنواع التشويه ومحاولات التسييس. وهي الآن مدعوة لاجتراح البطولة ليس فقط في الصمود بل وفي مواصلة التحدي والتمسك بالقيم التي تدعي الدفاع عنها وعدم الالتفات للخلف أو للأثمان الباهظة التي قد تدفعها.

هذه المنظمات شكلت استثناءً في كل شيء، في النشأة، والتكوين، والدور، وأثبتت نفسها وحظيت بثقة كل ذي علاقة مؤسسة أو مختص في مجال حقوق الإنسان، ونجحت دائماً في أن تنتصر لقيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان. وهي ستنجح في معركتها مع الاحتلال وستحول حربه الضروس إلى مضمار آخر لإثبات الصلابة والقدرة، بل وستدفع هذه الحرب على اجترار المعجزات في الإنجاز الذي سيمثل مزيداً من الإدانة لدولة الاحتلال وقياداتها ونظامها العنصري وستخرج أقوى، بمزيد من التلاحم والتعاضد، وستفشل هذه الهجمة ولن تجدي الأساليب القذرة والضرب تحت الحزام كما لم يجدي في السابق اتهام هذه المؤسسات بدعم الإرهاب ومحاولة حصارها دولياً ومالياً.  

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد