حسب احصائيات وزارة الصحة هناك ما يقارب من 14.000 ألف حالة سرطان داخل قطاع غزة ، ويتراوح عدد الحالات المكتشفة شهريًا في مشفى الشفاء بغزة حوالي 80 حالة، ناهيك عن باقي المستشفيات بزيادة تصل 12% كل عام .

 المتهم الأول في ذلك هو الاحتلال بواسطة القذائف التي يستخدمها في الحروب المتواصلة على قطاع غزة، واستخدام المبيدات الزراعية، هذا ما يتم تداوله من أبواب ظاهرية، وهذا فيه أخذٌ ورد، وسأحاول الإجابة عليه قدر المُستطاع.

أولاً استخدام اسرائيل للقذائف والصواريخ.

ما استخدمته اسرائيل في الحروب على غزة له دور في الاصابة بالمرض، لكنه ليس السبب الأساسي، السبب الأساسي سنذكره في آخر حديثنا، ولكنني هنا سأفند الاتهام الأول من باب الحقيقة، وليس من باب شماعة الاحتلال وتحميله كل أخطائنا، ما يهمنا هو معرفة السبب كي نُعالج المرض، وليس غير هذا.

1- هل المصابين جراء قذائف وصواريخ الاحتلال في الحرب أصيبوا بعد ذلك بالسرطان؟ هل ظهرت عليهم أعراضه، وكم هي النسبة ؟!

2- هل اسرائيل بهذا الغباء كي تنشر السرطان في قطاع غزة، وهي المرتبطة به مصيريًا بحكم الجغرافيا من خلال الزراعة والتجارة، وصيد الأسماك، سيّما أن الاحتلال يستورد من غزة المنتجات الزراعية، والتي تُزرع في المناطق التي يتم استهدافها بالصواريخ، وليس هناك مكان في غزة إلا وتم استهدافه بالصواريخ والقذائف.

سبق وأن زودت اسرائيل وزارة الصحة بغزة بمضادات للأمراض انفلونزا الطيور، وجنون البقر، وغيره من الأمراض التي تعتبر وباء، ذلك ليس حبًا بغزة، ولكن خوفًا من انتقال المرض إليها.

إمكانية انتقال أي وباء في غزة لإسرائيل سهل جدًا سواء من خلال استيرادها للمنتوجات الزراعية، أو المياه الجوفية التي تسرقها من غزة، أو حتى في صيد الأسماك، أو في هروب الطيور والحيوانات المصابة بتلك الأمراض، أو من خلال عبور الأفراد سواء عُمال أو تجار، فأمن غزة الصحي، هو أمن لإسرائيل. هكذا يقول المنطق.

3- مرض السرطان استفحل في غزة في السنوات الست الأخيرة، برغم أن اسرائيل كانت تحتل غزة، وخاضت ضدها العديد من العمليات الحربية، إلا أن المرض لم يكن بهذا الشكل الكبير.


الاتهام الثاني للمزارعين.
من يتهم المزارعين باستخدام مبيدات زراعية، فإن استخدام هذه المبيدات يتم في كل العالم، ولكن تحت رقابة صارمة، وتوفير مبيدات سليمة من الناحية الكيمائية.


ما جرى خلال الست سنوات الأخيرة هو السبب الأساسي في استيراد المرض، وادخاله إلى قطاع غزة بكل سهولة ويُسر وذلك كالتالي:
1- خلال حرب 2009 وما تلاها من حروب، كانت غزة تستقبل مئات الأطنان من المواد الغذائية، والمعلبات بجميع أنواعها سواء بقوليات أو لحوم أو أسماك، وأجبان، كل هذه المعلبات كانت تدخل من المعابر إلى الجمعيات والمؤسسات الإغاثية بشكل مباشر، وبرقابة حكومية فقط تقتصر على معرفة الأعداد وجهة التمويل وآلية التوزيع، وبإغفال تام لفترة الصلاحية وإمكانية تزويرها، أو الجهة المصنعة لها، أو حتى صلاحيتها من ناحية التركيب العضوي والمواد الحافظة.
2- الأنفاق.

 خلال تلك الفترة، ضخت الأنفاق عشرات الألاف من المواد الغذائية الصينية والمصرية، خاصة المُعلبات والأجبان، حتى أن سعرها كان لا يتناسب مع سعر التكلفة، حيث وصل سعر علبة الجبنة (المثلثات) بربع دولار، برغم أن ثمنها الأصلي من الشركات الأخرى بدولارين فأكثر، وقس على ذلك معلبات الفول والحمص، واللحوم، وغيرها الكثير، وقبل أسابيع قليلة، أظهر تحقيق أجرته صحيفة اليوم السابع المصرية يقول أن بعض مصانع الأجبان المصرية تقوم بإضافة مادة "الفور مالين" في الأجبان، ومادة الفور مالين هذه تسبب الفشل الكلوي وورم في الكبد لأنها سم فظيع توضع دون وعى بهدف حفظ الأغذية أطول فترة ممكنة ويظهر تأثيرها على المدى الطويل.

و يعتبر الفورمالدهيد - الفور مالين- من المواد عالية السمية حتى لو تم التعرض له بكميات قليلة جدًا، فهو يعد من المواد المسرطنة من الدرجة  الأولى وفى  عام 2011 أضافت الحكومة الأمريكية المادة الكيميائية الفورمالدهيد إلى قائمة المواد المعروفة التي تسبب السرطان وحذرت من استخدامها أو التعرض لها.

3- المبيدات الزراعية.

 دخلت من الأنفاق جميع أنواع المبيدات الزراعية، ومن المعروف أن المبيدات الزراعية المصرية ليست بتلك الجودة العالية، حيث أن الرقابة المصرية على هذه المبيدات ليست بالشكل السليم، ولرخص ثمنها، استنكف المُزارع (الفقير) عن شراء المبيدات الزراعية الاسرائيلية، واستبدلها بالمصرية لرخص ثمنها، وهذا لعب دور خطير في الخلل الحاصل في المنتجات الزراعية، (التي ترفض اسرائيل استيرادها بعد الفحص) ناهيك عن استخدام المواد الحافظة في المصانع في غزة، وجميع المواد الخام التي تدخل في الصناعات الغذائية في قطاع غزة.


4- السجائر المُهربة.

انتشرت في غزة في الأعوام الماضية عن طريق التهريب من الأنفاق سجائر غير معروفة المصدر أو الصناعة، والتي كانت تسمى "سجائر صينية" بأسماء كثيرة، حيث كانت رخيصة الثمن بشكل كبير، وبعضها كانت بمجرد فتح علبة السجائر تخرج منها رائحة كريهة، ولفقر الناس كانت تلجأ لها، دون رقيب من المسئول عن ادخال تلك البضائع، ناهيك عن اختلاط السجائر والمواد الغذائية في عملية التهريب بالبترول، والتنر، ومواد أخرى.


تبقى المسئولية الأولى على الجهات الرقابية في وزارة الصحة، والاقتصاد وأي جهة عملت في الأنفاق من التاجر إلى الحكومة، حتى أن بعض الجهات الدولية  كانت تشتري البضاعة المهربة من الأنفاق وتوزعها في مراكز الإيواء، وعلى العائلات المُحتاجة.

نحن من أدخل السرطان إلى قطاع غزة، بجهلنا، وطمعنا، ساهمنا في ادخال هذا الغول إلى بيوتنا، وها هم الضحايا الغلابا، ممن ليس لديهم واسطة أو معرفة للعلاج في الخارج، ينامون على أسرة المستشفيات في انتظار ساعة الموت، وهناك مئات الحالات ما هي إلى أشهر وسنوات قلية وسيظهر عليها المرض، وربما أكون أنا أو أنت منهم، فنحن من الغلابا الذين اشترينا تلك المنتجات .. وكل وجعنا وآلامنا وخطيتنا هي في رقبة من أدخل وسهل وتاجر فينا وفي أعمارنا ليتكسب المال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد