المرأةِ الفلسطينيةِ الماجدة سطرت بصمودَها الأسطوريّ أروع ملاحم التضحية والفداء فهي التي قدمت ابنها، وزوجها وأبيها وأخيها شهيدًا؛ بل أصبحت اليوم في ظل الانتفاضة وهبة الأقصى الثالثة في دائرة الاستهداف والقتل الصهيوني، وتعرضت للشهادة والقتل والتنكيل والأسر ولأبشع أصناف العذاب من المحتل المجرم؛ وبالرغم من ذلك لازالت صامدة صابرة في وجهِ التحديات والصعاب والمُعيقات، و ازداد كفاحَها المُستمر مع أبناءِ شعبِنا لتحقيقِ أهدافِنا في الحُرية والاستقلال وتجسيدِ كرامتنا وحريتنا الوطنية على أرضِنا الفلسطينية المحتلة، وشاركت الرجال في كل ميادين الجهاد والنضال والكفاح والعمل والعلم والمقاومة، وشاركت في زراعة الأرض وفلاحتها، بل روت بدمها الطاهر تراب فلسطين و القدس الشريف وكانت رمزًا في كل الميادين.
ويعد الثامن من مارس القادم يوم المرأة العالمي، و تتخذ مُعظم دول العالم من يوم الثامن من أذار مارس عُطلة رسمية وتعتبرهُ يومًا عالميًا للاحتفال للمرأة؛ ويأتي ذلك كتقدير لدور المرأة في مناحي الحياة المختلفة ليس فقط كونها نصف المجتمع، بل لأنها المرأة استحقت هذا اليوم الذى اكتسبته بعد مشقة ولم يكن منحة لها؛ وفي الوقت الذي أصبح العالم الحديث اليوم ينادي بحقوق المرأة وانصافها بعد قرون من الزمن؛ كان الإسلامُ سباقًا قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام لتكريم المرأة كأم وأخت وزوجة وبنت وخالة وعمة أعظم تكريم ورفع قدرها، وشأنها ورفع عنها ظلم الجاهلية الأولي وحررها من العبودية والرق، حيث يقول الرسول الكريم صل الله عليه وسلم قال :"النساء شقائقُ الرجال وكان أخر كلامه من الدنيا هو الوصية بتكريم المرأة وحفظها وصونها فقال: استوصوا بالنساء خيرًا؛ وعرفنا الإسلام عظم قدرها وأن من أكرمهنُ إلا كريم- وما أهانهُن إلا لئيم.... إن الإسلام يرفض فكرة تكريم المرأة في يومٍ واحد فقط مثل ما يسمي بيوم المرأة العالمي، وعيد الأم؛ بل الإسلام يُنادي الجميع بالحفاظ على الأنثى المرأة كالأم والزوجة والأخت والخالة والعمة في كل ساعة ويوم ووقتٍ وحين بل ورفع قدرها وأعلى من شأنها وجعل سورة في القرآن الكريم كاملة باسمها هي سورة النساء تعظيمًا لدورها وشأنها كيف لا وهي سبب وجود الرجل في هذهِ الحياة الدُنيا.
وإليكم صورًا مُشرقة من تكريم الإسلام المتواصل والمُستمر للمرأة منذُ بعثة النبي عليه السلام: الإسلام رفع مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، و أخبر النبي أن خير الناس خيرهم لأهله؛ وقال أنا خيركم لأهلي؛ فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة، التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، ورحمةً ومودة، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها وإذا كانت أماً كان برُّها مقروناً بحق الله سبحانهُ تعالى وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها، ووعد الله بوصل من وصلها وبقطع من قطعها وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار كان له حق الإسلام العام من كف الأذى، وغض البصر ونحو ذلك؛ وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة؛ ثم إن للمرأة في الإسلام حق التملك، والإجارة، والبيع، والشراء، وسائر العقود، ولها حق التعلم، والتعليم، بما لا يخالف دينها، بل إن من العلم ما هو فرض عين يأثم تاركه ذكراً أم أنثى، بل إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال، أو بما يختصون به دونها من الحقوق والأحكام التي تلائم كُلاً منهما على نحو ما هو مفصل في مواضعه ومن إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها، ويحفظ كرامتها، ويحميها من الألسنة البذيئة، والأعين الغادرة، والأيدي الباطشة؛ فأمرها بالحجاب والستر، والبعد عن التبرج، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها ومن إكرام الإسلام لها: أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها، بل ومن المحاسن-أيضاً: أن أباح للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة؛ فأباح للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولات الإصلاح، وحين تصبح حياتهما جحيماً لا يطاق وأباح للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالماً لها، سيئاً في معاشرتها، فلها أن تفارقه على عوض تتفق مع الزوج فيه، فتدفع له شيئاً من المال، أو تصطلح معه على شيء معين ثم تفارقه ومن صور تكريم الإسلام للمرأة أن نهى الزوج أن يضرب زوجته بلا مسوغ، وجعل لها الحق الكامل في أن تشكو حالها إلى أوليائها، أو أن ترفع للحاكم أمرها؛ لأنها إنسان مكرم داخل في قوله-تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) الإسراء وليس حسن المعاشرة أمراً اختيارياً متروكاً للزوج إن شاء فعله وإن شاء تركه، بل هو تكليف واجب. قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها) رواه البخاري ومسلم. فهذا الحديث من أبلغ ما يمكن أن يقال في تشنيع ضرب النساء؛ إذ كيف يليق بالإنسان أن يجعل امرأته - وهي كنفسه - مهينة كمهانة عبده بحيث يضربها بسوطه، مع أنه يعلم أنه لا بد له من الاجتماع والاتصال الخاص بها وهي زوجتهُ والذين يولعون بالغرب، ويولون وجوههم شطره يوحون إلينا أن نساء الغرب ينعمن بالسعادة العظمى مع أزواجهن ولكن الحقيقة الماثلة للعيان تقول غير ذلك؛ فتعالوا نطالع الإحصاءات التي تدل على وحشية الآخرين الذين يرمون المسلمين بالوحشية؛ حيث نشرت مجلة التايم الأمريكية أن ستة ملايين زوجة في أمريكا يتعرضن لحوادث من جانب الزوج كل عام، وأنه من ألفين إلى أربعة آلاف امرأة يتعرضن لضرب يؤدي إلى الموت، وأن رجال الشرطة يقضون ثلث وقتهم للرد على مكالمات حوادث العنف المنزلي. ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عام 1979م أن 40% من حوادث قتل النساء تحدث بسبب المشكلات الأسرية، وأن 25% من محاولات الانتحار التي تُقْدم عليها الزوجات يسبقها نزاع عائلي وفي دراسة أمريكية جرت في عام 1407هـ-1987م أشارت إلى 79% يقومون بضرب النساء وبخاصة إذا كانوا متزوجين بهن. وكانت الدراسة قد اعتمدت على استفتاء أجراه د.جون بيرير الأستاذ المساعد لعلم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية بين عدد من طلبته. وقد أشارت الدراسة إلى أن استعداد الرجال لضرب زوجاتهم عالٍ جداً، فإذا كان هذا بين طلبة الجامعة فكيف بمن هو دونهم تعليماً؟ وفي دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية جاء أن 17% من النساء اللواتي يدخلن غرف الإسعاف ضحايا ضرب الأزواج أو الأصدقاء، وأن 83% دخلن المستشفيات سابقاً مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أصيبن بها كان دخولهن نتيجة الضرب. وقال إفان ستارك معد هذه الدراسة التي فحصت (1360) سجلاً للنساء: إن ضرب النساء في أمريكا ربما كان أكثر الأسباب شيوعاً للجروح التي تصاب بها النساء، وأنها تفوق ما يلحق بهن من أذى نتيجة حوادث السيارات، والسرقة، والاغتصاب مجتمعة. وقالت جانيس مور- وهي منسقة في منظمة الائتلاف الوطني ضد العنف المنزلي ومقرها واشنطن: إن هذه المأساة المرعبة وصلت إلى حد هائل؛ فالأزواج يضربون نسائهم في سائر أنحاء الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى دخول عشرات منهن إلى المستشفيات للعلاج. وأضافت بأن نوعية الإصابات تتراوح ما بين كدمات سوداء حول العينين، وكسور في العظام، وحروق وجروح، وطعن بالسكين، وجروح الطلقات النارية، وما بين ضربات أخرى بالكراسي، والسكاكين، والقضبان المحماة، وأشارت إلى أن الأمر المرعب هو أن هناك نساء أكثر يُصبن بجروح وأذى على أيدي أزواجهن ولكنهن لا يذهبن إلى المستشفى طلباً للعلاج، بل يُضمِّدن جراحهن في المنزل، وقالت جانيس مور: إننا نقدر بأن عدد النساء اللواتي يُضربن في بيوتهن كل عام يصل إلى ستة ملايين امرأة، وقد جمعنا معلومات من ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالية، ومن مئات الملاجئ التي توفر المأوى للنساء الهاربات من عنف وضرب أزواجهن- ويعتبر ضرب الزوجات في اليابان هو السبب الثاني من أسباب الطلاق. وفي البرازيل 772 امرأة قتلهن أزواجهن في مدينة ساوباولو البرازيلية وحدها عام1980م.- وأشارت دراسة كندية اجتماعية إلى أن ربع النساء هناك-أي أكثر من ثمانية ملايين امرأة-يتعرضن لسوء المعاملة كل عام.
- في بريطانيا تستقبل شرطة لندن وحدها مائة ألف مكالمة سنوياً من نساء يضربهن أزواجهن على مدار السنين الخمس عشرة الماضية. وتتعرض امرأة لسوء المعاملة في أمريكا كل ثمان ثوان. ومائة ألف ألمانية يضربهن أزواجهن سنوياً، ومليونا فرنسية. و60 % من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس أثناء الليل- هي نداءات استغاثة من نساء تتعرض لسوء المعاملة.
ومن صور تكريم الإسلام للمرأة أن أنقذها من أيدي الذين يزدرون مكانها، وتأخذهم الجفوة في معاشرتها؛ فقرر لها من الحقوق ما يكفل راحتها، وينبه على رفعة منزلتها، ثم جعل للرجل حق رعايتها، وإقامة سياج بينها وبين ما يخدش كرامتها. ومن الشاهد على هذا قوله-تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة: 228. فجعلت الآية للمرأة من الحقوق مثل ما للرجل؛ وإذا كان أمر الأسرة لا يستقيم إلا برئيس يدبره فأحقهم بالرياسة هو الرجل الذي شأنه الإنفاق عليها، والقدرة على دفاع الأذى عنها. وهذا ما استحق به الدرجة المشار إليها في قوله-تعالى-: وللرجال عليهن درجة وقوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) النساء: 34. بل إن الله-عز وجل- قد اختص الرجل بخصائص عديدة تؤهله للقيام بهذه المهمة الجليلة ومن تلك الخصائص ما يلي: أنه جُعل أصلها، وجعلت المرأة فرعه، كما قال-تعالى-: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) النساء: وأنها خلقت من ضلعه الأعوج، كما جاء في قوله-عليه الصلاة والسلام-: (استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خلقت من ضلَع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه؛ إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج؛ استوصوا بالنساء خيراً) وأن المرأة ناقصة عقل ودين، كما قال-عليه الصلاة والسلام-: (ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن). قالت امرأة: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: (أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان؛ فهذا نقصان الدين) فلا يمكن والحالة هذه أن تستقل بالتدبير والتصرف و نقص قوَّتها، فلا تقاتل ولا يُسهَم لها و ما يعتري المرأة من العوارض الطبيعية من حمل وولادة، وحيض ونفاس، فيشغلها عن مهمة القوامة الشاقة و أنها على النصف من الرجل في الشهادة- كما مر-وفي الدية، والميراث، والعقيقة، والعتق. قال الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-: (ولا ينازع في تفضيل اللهِ الرجلَ على المرأة في نظام الفطرة إلا جاهل أو مكابر؛ فهو أكبر دماغاً، وأوسع عقلاً، وأعظم استعداداً للعلوم، وأقدر على مختلف الأعمال، و من إكرام الإسلام للمرأة أن جعل لها نصيباً من الميراث؛ فللأم نصيب معين، وللزوجة نصيب معين، وللبنت وللأخت ونحوها نصيب على نحو ما هو مُفَصَّل في مواضعه.
ومن تمام العدل أن جعل الإسلام للمرأة من الميراث نصف ما للرجل، وقد يظن بعض الجهلة أن هذا من الظلم؛ فيقولون: كيف يكون للرجل مثل حظ الأنثيين من الميراث؟ ولماذا يكون نصيب المرأة نصف نصيب الرجل؟ والجواب أن يقال: إن الذي شرع هذا هو الله الحكيم العلم بمصالح عباده ثم أي ظلم في هذا؟ إن نظام الإسلام متكامل مترابط؛ فليس من العدل أن يؤخذ نظام، أو تشريع، ثم ينظر إليه من زاوية واحدة دون ربطه بغيره، بل ينظر إليه من جميع جوانبه؛ فتتضح الصورة، ويستقيم الحكم. ومما يتبين به عدل الإسلام في هذه المسألة: أن الإسلام جعل نفقة الزوجة واجبة على الزوج، وجعل مهر الزوجة واجباً على الزوج أيضاً. إننا ندعو لتكريم المرأة وتقديرها واحترامها كما نادي بذلك الأمر الإسلام في كل وقتٍ وزمانٍ وحين وليس فقط كما يدعو الغرب لتكريمها في يوم الثامن من أذار مارس من كل عام وبعد ذلك لا وزن ولا قيمة للمرأة ونهضمها حقها ونظلمها ونرتكب الفواحش ما ظهر منها وما بطن بحقها؛ وصدق الشاعر حينما قال عن المرأة: الأمُ مدرسةٌ إن أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق، وعلينا بوصية حبيبنا ونبينا محمد صل الله عليه وسلم في خطبة الوداع في أخرر كلماتِ له: استوصوا بالنساء خيرًا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية