مرحلة من الجدل السياسي، نضجت فيها كل المؤامرات بين أبناء الشعب الواحد، سمعنا كلمات واتهامات لم نسمعها من قبل، أي جيل هذا الذي تعلمونه ليلاً ونهاراً لغة التخوين واللعنات، المناكفات طالت الصغير والكبير في ظل أوضاع حرجة وظروف هي الأصعب في تاريخنا منذ بداية الاحتلال، وهي مرحلة تمظهرت فيها اعتبارات التجارة والابتزاز لعقول أبناء شعبنا الفلسطيني، شراء العقول وتزوير الحقائق، لتصبح فلسطين ملكاً لفلان وحاشيته يقرر فيها ويفرض عليها دون حسيب أو رقيب، وأصبحت الفصائل تسير حسب مستوى التبعية لفلان أو مجموعة فلان، ويكون سيف الرواتب أو قرارات الفصل هي السيف المسلط وفرصة الابتزاز الوحيدة، أما الجزرة فهي رزمة من الوعود والأكاذيب المتعلقة بالمناصب والحصص، وهي وصفة كافية لأن تفشل طريقنا إلى النصر وسبيلنا إلى الحرية لعدة عقود أخرى.


ينبغي على الساسة أن يعرفوا أن فلسطين ليست شركة لأحد، للأسف أنه برغم هرم بعض الشخصيات السياسية، وسقوط الأقنعة عن وجوه بعضهم، إلا أنهم أتقنوا الألاعيب السحرية والحيل الخفية وأجادوا لعب دور أبطال الثورة وحماة الوطن، وكأن التاريخ لم يعرف غيرهم من أسماء، أصبحت تلك الحركات والتنظيمات مجرد وسيلة لتحقيق أهداف بعض الشخصيات التي تفتقر للحكمة والذكاء في التعامل مع عدة مراحل مرت بها قضيتنا، وكأنهم ليسوا بمستوى هذه القضية، خاصة بعد غياب الأخ القائد الشهيد ياسر عرفات، وهو قائد يستحق أن نتوقف قليلاً عند تجربته الكفاحية، ويكفينا أن شهد له العدو قبل الصديق أنه هو الذي أدخل اسم فلسطين والقضية الفلسطينية إلى كل بيت في العالم، ليس فقط بالدبلوماسية التي كان رئيسنا الراحل يجيد تدوير دواليبها، بل بكل وسيلة أتيحت بين يديه.
انتهك الاحتلال الصهيوني كل حقوقنا، لكنه يبقى عدواً، نتوقع منه كل شيء، ولكن أن تسلب من قبل بعض شخصياتنا الفلسطينية بدافع حبها الشخصي للمال والسلطة وتكوين الثروات والتحكم ببعض القرارات التي تتعلق بمصير شعبنا المظلوم، من أجل البقاء كطرف مهم في المشروع الوطني دون أن نرى فعلياً اي إنجاز وطني من هؤلاء على مدار السنوات الماضية.


من المؤسف أن نرى قادة في حركات سياسية وفصائل لها وزنها ينشرون صورهم وأخبارهم على وسائل الاتصال الاجتماعي في جلسات واحتفالات، كي ينظر لهم الناس نظرة المسؤولين، يقدمون أنفسهم كمناضلين وحماة الوطن ومحافظين على حقوقه، وهم لا يعرفون عن حدود الوطن ولا هموم الشعب شيئاً، ومن هنا نقول بأن الحركة السياسية الفلسطينية تسير نحو الفشل، وهو فشل محتم بفعل الدور المأزوم لهؤلاء الذين جثموا على صدر الوطن والمواطن ولم يمنحوا أحداً فرصة انتقاد سلوكهم الأرعن ومواقفهم المثيرة للاستياء.


ما نعرضه الآن لا يعني أن هذا النوع من الفصائل سينتهي أو ينقرض أو يتلاشى، بل من الممكن أن تبقى ولكن في حالة فشل دائم، فهناك العديد من البنايات التي تبقي شامخة ومنتصبة ولكنها من الداخل لا تصلح للسكن، فالشعب يُقهر ويموت ويعذب ويتألم، ويتمنى شبابه الموت أو الرحيل، بينما يواصل الساسة مجاملة بعضهم البعض، في مظاهر ولقطات ومناورات وتمويهات، ويتبادلون الاتهامات ويضعون أيديهم على الإخفاقات دون أدنى مسؤولية، كل ذلك باسم محاولات الوصول إلى المصالحة!!.


المصالحة ليست من أجل بقائكم في الحكم، المصالحة من أجل مصير وصيرورة الشعب وحماية المشروع الوطني، منذ البداية كنتم تتهمون بعضكم البعض بالخيانة وعدم الرغبة في تحقيق المصالحة، وإن كُنتُم جميعاً هكذا فكل الأطراف لا تخدم مصلحة الشعب، ولا يدري هؤلاء أن كل ما يتمتعون به من مكانة مرموقة في هذا المجتمع المغلوب على أمره إنما بفضل الشعب وعلى الشعب أن يختار من يمثله، ومن يكفل حقوقه، ويدافع عنه، وإن بقي هؤلاء في صدارة المشهد فلا أمل فيهم ولا مشروع معهم، ومن هنا تأتي الدعوة لشرفاء الشعب الفلسطيني للوقوف معاً وصد كل شخص أو فصيل يتعامل مع قضيتنا العادلة باستهتار حزبي، أو يفرط بحقوق شعبنا المناضل وينفرد بالقرارات الوطنية، وهذه الدعوة كلما تأخرت الاستجابة لها سيزيد عمر معاناة شعبنا وستتلاشى أحلامه لا محالة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد