أكتب لكم هذا المقال من العاصمة اللبنانية "بيروت"، كلما تحدثت عن الوضع الحالي_سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا_ مع أي لبناني يقول لي: "وضعنا كله زبالة" هذه الجملة ليست تشبيهاً وإنما حقيقة وواقعية للأسف؛ فالنفايات منتشرة بشكل مؤذ. أزمة النفايات أصبحت أهم الأزمات التي يعيشها لبنان وهي تتجه الى كارثة بيئية وصحية، بسبب إقفال مكب نفايات "الناعمة" أمام شاحنات النفايات، ورفض مناطق أخرى أن تكون مكبًا للنفايات، وتبرر شركة "سوكلين" القائمة على جمع النفايات في بيروت وجبل لبنان، بالقول "مخازن الشركة امتلأت بالكامل ولم يعد بإمكانها استيعاب نفايات جديدة، والمطلوب من الحكومة إيجاد البدائل لهذه المخازن لجمع النفايات وطمرها".  
اللبنانيون يواجهون تلوثاً في المياه والهواء برأيي هو الأسوأ في التاريخ. ملف النفايات قضية كل لبناني لأنه يلامس صحته وحياته، والسؤال الذي يدق بشكل دائم داخل عقلي منذ زيارة بيروت: هل النفايات أهم من  تضخم الأجندة السياسية التي يشهدها لبنان بشكل متسارع؟ ومن الذي يقرر الأولويات التي يجب معالجتها في أي مجتمع ؟! المشكلة من زاوية أُخرى هي في طرق التفكير لإيجاد الحلول، فمثلاً لا أحد يريد استقبال نفايات جاره في مطمره، أما الحل فيكمن بإقامة مطامر صحية لانتشال كل هذه النفايات، حتى إنجاز معامل المعالجة، أو بيع هذه النفايات مثلاً للصين. إيجاد حلول هو جزء في علاج الأزمة لكن الجزء الأهم هو أيضا محاسبة المسؤولين عما وصلت له بيروت، وكباقي الدول العربية وخصوصية لبنان فهناك افتقاد القدرة على المحاسبة لأسباب يعرفها الجميع.
لبنان يستحق الأفضل دائماً، وهو ليس بحاجة الى أزمات وضربات تعزز الوضع الداخلي وبالتالي يؤثر عليه اقتصادياً وسياحياً وعلى صورة لبنان في الخارج التي تشوهت كثيرا في الفترة الأخيرة، كان يجب أن يكون صيف لبنان حافلا هذا العام، لسبب بسيط وهو الاستقرار الأمني الذي يميز لبنان عن محيطه العربي نوعاً ما.
وعندما تتحدث مع الشارع اللبناني، تستمع إلى أصوات وتصورات ما وراء هذه النفايات، الجميع مقتنع بأن هذه الأزمة سببها القادة السياسيون، لأن كل قائد يريد حصته من أموال النفايات والعائدات التي سيحصل عليها أهالي هذه المنطقة أو تلك في حال كان المطمر بأرضهم. وتعكس هذه الأزمة جزءا من حالة الفراغ السياسي التي تعيشها البلاد، بدءا من مناصب النظام السياسي اللبناني وانتهاء بملف النظافة. ومن زاوية أخرى وكما هي العادة يتم تسييس الأزمات وإدخالها في حلبة الأحزاب السياسية، وبالتالي على طاولة الحكومة، وبالسياق العربي المتعارف عليه يتم تمويت الأزمة من أجل رغبة أطرف النزاعات السياسية الحصول على أهداف خاصة؛ وهم لا يعلمون أو يعلمون بأن الخاسر الأول والأخير هو لبنان أرضاً وشعباً.
وكما قلت سابقاً في أحد المقالات بأنه لا يجب وضع اصبع الاتهام لكل فعل والشبهات على كل رد فعل إذا ما لم نتفق معه، فهذا أيضاً ما يحدث وحدث في لبنان أيضاً مع الأسف!! فمثلاً تم وصف من يقف وراء حملة "طلعت ريحتكم " والتي استجاب لها الشارع اللبناني على مواقع التواصل الاجتماعي، كرد فعل على أزمة النفايات بأنهم متأمركون ومشبوهون!! مع الانتباه بأن الإعلام الحديث عكس حالة سخط لدى المجتمع اللبناني مثله مثل كثير من الشباب العربي، الذي أصبح محاصرا في العديد من الأزمات المجتمعية المختلفة كل حسب خصوصية مجتمعاته.
"طلعت ريحتكم" وحدت الشعب تحت علم لبنان وباستقلالية عن 8 و 14 آذار.. كسروا الحواجز، وتوحدوا من أجل مستقبل لبنان. البلدان العربية في منعطفات مختلفة مختلفة، وعلى القيادات الحكيمة الاستماع الى الشارع ولا تقوم بإشعال الشارع أكثر وأكثر ضمن ذرائع التخوين والمخاطر الخارجية ولا تلعب على تقسيم المقسم وتجزيئه أكثر فأكثر من أجل مصالح خاصة، وإلا فإن الشعوب العربية بعد كل هذه المعاناة بسبب الطائفية واختلاف المذاهب والألوان ستقول لقياداتها كما قاله الشارع اللبناني...

للتواصل:
بريد الكتروني mehdawi78@yahoo.com
فيسبوك RamiMehdawiPage 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد