في موكب شعبيٍ مهيب, شيع نحو سبعة ألاف مواطن جثمان القائد "رائد أبو حسين" من مسجد العودة سيراً على الاقدام باتجاه مقبرة الفالوجا, في جنازة وصفت بأنها واحدة من أكثر الجنازات حشدا في محافظة شمال غزة منذ سنوات طويلة .
موجع كان وداع "رائد" بهذه السرعة, وبدون استئذان. 
ماذا قلت لرفاقك يا فتى قبل الرحيل؟ أي وصية أودعتها في عهدتهم؟ مذ كنت يافعاً رأيناك مقلاعا تحمل حجراً.. الحجر يعرف طريقه, والجنود الذين كانوا هناك أصابهم الذهول لِما اكتشفوا فيك من فطنة وذكاء استثائي, فاعتقلوك. 
ما أصعب هذا الفتى. يريد وطناً والوطن ممنوع. يريد "حركة ", والحركة تتمنع. يريد دولة, والدولة مستباحة. يريد ديمقراطية في محيط أجازها بعضنا لمرة واحدة , فلما فازوا بالابل اعتبرها إثماً وعدواناً. 
كان الفتى مشروعاً متحركاً ونهراً من الاسئلة يسابق الوقت طمعاً في الاجابات . كان يرفض الرد بالكراهية على من تكلست دماء الحقد تحت أظافرهم .منذ صغره ,كان يمتلك مواصفات قيادية ووعيا ثوريا , وكان عاشقا للرئيس الشهيد ياسر عرفات .
وحدوياً , كان حتى الرمق الاخير . لكنه ما استطاع أن يوحّدنا في حياته , فوحّدنا في جنازة كانت الأكبر منذ قهرالموت شباب معسكر جباليا. 
في بيت العزاء اضطر الرجال للوقوف طويلاً قبل أن يصلوا أشقاء الفقيد ووالده الذي فشلت ساقاه في حمله طويلا لاستقبال وفود المعزين , حتى قيل همساً وجهراً إذا لم يكن حشد الجنازة والتعزية استفتاءً على حب الفقيد وفكرته , فماذا تكون؟
لا يعرف الكثير من المعزين أطفالك الخمسة , ربما أنهكهم تعب الوقوف ,وربما هدّهم وجع الفراق ,وربما راحوا في اتفاق ليكملوا المشوار. 
كان لرحيلك المبكر طعم اخر في بلاد أدمنت طعم الخسارات والجنازات ...لم تكن يوماً جنرال حركتك, ولا سيف منطقتك. كنت صوتاً صادقاً, وابتسامة يحظى بها الجميع , كلما تخيلتها ظننت أني قد أراك غدا .
الان أيقنت أني لن أراك ثانية وقد سمعت شخصاً قال عنك ذات بوحٍ: إذا لم نتوحد الان فمتى نكون؟
ذات ليلٍ , شاهدك الرفاق تتسلل إلى المقبرة تجلس بجانب قبر أمك التي رحلت قبل شهرين . خاشعاً كنت . لكنهم لم يسمعوا شيئا من تراتيلك . ماذا همست لامك يا رائد؟ هل اكتفيت بخمسة واربعين عاما واستعجلت الرحيل؟ هل شكوت لها حنيناً يعتصر قلبك وقد أصبحت أباً لثمانية وجداً لاربع . هل تساقطت الدموع من عينيك على رخام القبر؟ هل ألقيت عليها تحية صامتة ؟ هل شكوت لها اليتم والفقر يا رائد ؟ لقد رأتك النجوم يومها وبكاك القمر. 
يا ابن سيد الفكرة والطلقة الأولى إنهض . كفى تثاؤباً. لم يعد للنوم طعم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد