تلاشت تقريباً، خلال الأسبوعين الماضيين، مشاعر ترقب حرب إسرائيلية رابعة على قطاع غزة ، تلك المشاعر والأحاسيس الناجمة عن تصريحات تصعيدية من قبل حركة حماس وإسرائيل، أجواء الحرب المرتقبة حوّلت "الزمن" في قطاع غزة، إلى وتائر من ترقب العدّ التنازلي لاندلاع تلك الحرب، لم يوفر الطرفان، حماس وإسرائيل أية فرصة من دون إشاعة أجواء الحرب، في مقاربة موضوعية، لتلك الأجواء التي سادت الحروب الثلاث السابقة، لذلك لم يكن بوسع المواطن الغزي، إلاّ التعايش مع أجواء الترقب، وكمواطن مغلوب على أمره، لم يكن لديه ما يفعله سوى هذا الترقب البغيض، فليس بوسعه القيام بأي شيء بما في ذلك الحدّ الأدنى من تأمين فرصة أفضل للنجاة له ولأسرته، يتحدثون عن الاستعداد للحرب، بينما في الواقع، ليس هناك أي استعدادات لدى المواطن، توفر له فرصة أفضل للنجاة من ويلاتها، ومع أن هناك حروباً ثلاثا سبقت، إلاّ أنه ليس هناك من فرصة لأية "خبرة" للمواطن الغزي كي يتهرب من نتائجها، وإذا كانت هناك خبرات عسكرية وأمنية بنتائج وتجارب الحروب السابقة لدى الجهات العسكرية والأمنية، فإن هذا الأمر لا ينطبق بالتأكيد على أحوال الناس والعباد والجمهور.
لكن، ومنذ حوالى أسبوعين، سادت أجواء مختلفة، وكادت أخبار الحرب تتلاشى وحلت محلها أخبار وأحاديث تستهوي المواطن الغزي، أحاديث عن انفراجات وتسهيلات، تأتي في طليعتها الأحاديث والأخبار المتواترة حول "ميناء غزة" وكأحاديث وأخبار الحرب، فإن ذلك قد جرى من خلال تصريحات متفاوتة من قبل الجهتين، حماس وإسرائيل، هذه الأخيرة تميزت أخبارها حول الميناء بالتعبير عن الخشية من انفجار الأوضاع المعيشية في قطاع غزة في وجهها من خلال حرب استعدت حركة حماس لها سواء من خلال ترميم الأنفاق السابقة، أو إقامة أنفاق جديدة، عابرة للحدود تحت الأرض إلى المستوطنات الإسرائيلية المحاذية، إضافة إلى تحسين صناعة الصواريخ التي راقبت إسرائيل تجارب إطلاقها يومياً تقريباً عبر شواطئ غزة.
وفي ظل الحديث عن "الميناء" تراجعت تصريحات الجانبين حول الحرب المرتقبة، وأخذت هذه التصريحات طابعاً هادئاً ومتزناً، وكأن التهدئة حقاً قد أخذت مسيرتها لتعرقل إمكانيات الحرب الرابعة على حساب سيناريوهات توفير ميناء لقطاع غزة، ميناء بحري في مدينة العريش، ميناء بحري على جزيرة صناعية قبالة شاطئ غزة، إقامة ميناء على شاطئ غزة، رصيف متخصص في ميناء ليماسول القبرصي، أو رصيف مشابه في ميناء أسدود خاص ببضائع قطاع غزة، وقد وفرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، سيناريوهات هندسية وصورا تعكس "جدية" البحث عن ميناء لقطاع غزة!
بالأمس السبت، جاء تصريح إسرائيلي، وضع حداً لهذه الأحاديث والأخبار والسيناريوهات، فقد صرح منسق أعمال حكومة نتنياهو، يوآف مردخاي أنه لا توجد أي مفاوضات مع تركيا بشأن إقامة ميناء بحري في غزة، وأنه في حال قررت إسرائيل في المستقبل دراسة إنشاء ميناء بحري في قطاع غزة، فإن ذلك سيكون من خلال السلطة الفلسطينية فقط!
هذا التصريح يعبر عن تعقيد المباحثات الإسرائيلية ـ التركية بشأن تحسين العلاقات بين الجانبين، ويعكس الدور المصري الغائب والمطارد في ظل هذه المباحثات، إلاّ أنها أيضاً تعكس تعارض مواقف أطراف عديدة لدى المستويات السياسية والأمنية في إسرائيل، دون تجاهل تصريحات قيادات فلسطينية رأت أن إقامة ميناء بحري على شواطئ قطاع غزة، في ظل الشروط الإسرائيلية لا تهدف فقط إلى إزاحة أجواء الحرب ومبرراتها، ولكنها تعكس إرادة إسرائيلية في الإبقاء على الانقسام الفلسطيني وتوفير حاضنة لإتمام قيام "إمارة غزة" وبالتالي فصل قطاع غزة بشكل نهائي عن الضفة الغربية.
مع ذلك، فإن هناك ثقة، لدى الجمهور الغزي، أن التصريح المشار إليه، ما هو إلاّ أحد أشكال التكتيك الإسرائيلي، وعندما تجد إسرائيل أن من مصلحتها إنشاء ميناء بحري لصالح قطاع غزة، بصرف النظر عن مكانه، فإنها ستفعل ذلك وفق شروطها ومصالحها، وإسرائيل من خلال استمرار الحديث عن أزمات قطاع غزة ومواطنيه الاقتصادية والاجتماعية، فإنها تحيل الأزمة إلى الجانب الإنساني والأخلاقي على حساب، أصل الأزمة وجوهرها، الاحتلال بوصفه أداة سياسية بالدرجة الأولى، ذلك أن الحديث عن توفير فرص أفضل للخروج من الأزمات الإنسانية، الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة، يأتي على حساب البعد السياسي للصراع بين المحتل والمقاومة، كما أن الانشداد إلى هذه الأزمات، يجعل المقاومة كأداة للمطالب الاجتماعية وليس لهدف التحرير، في ظل تصاعد الانتفاضة الثالثة في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.
الحديث عن سيناريوهات لإقامة ميناء سيستمر، وبالتوازي الاستعدادات لحرب قادمة!!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد