بعد سقوط نحو ١٨٢ شهيدا فلسطينيا وإعدامهم بدم بارد والتنكيل ببعض منهم وإفراغ الجنود الإسرائيليين والشرطة ومستوطنين ومدنيين مخازن أسلحتهم بأجساد الشهداء الطرية انطلاقاً من شعار لمقولة بعض من حكماء إسرائيل "من يأتي لقتلك سارع بقتله".

الكل الإسرائيلي وفي مقدمتهم رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو منح الحصانة والغطاء القانوني والاخلاقي لمطلقي النار، وكيل المديح والثناء على عمليات القتل والإعدام الميداني خارج إطار القانون، ومن دون أي تناسب او تشكيل خطر حقيقي على الجنود، واللعب بالمصطلحات مثل تحييد وسيطرة بدل قتل، باستثناء قلة لم يسمع صوتها في وسط القتل وضجيج العقلية الثأرية الإجرامية التي تنم عن سلوك مرضى نفسيين يقتلهم الرعب والخوف وليسوا جنود مدربين على إطلاق النار وتحديد الخطر الذي يواجهون.

الأسبوع الماضي ظهر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت وكأنه الرجل الأخلاقي الذي يحث جنوده للتمتع بأخلاق الجندي في الحرب، والالتزام بتعليمات إطلاق النار، وانتقد ما اطلق عليه سياسة الأصبع الخفيفة على الزناد، وقال "لا يمكنه التحدث بشعارات مثل من قام لقتلك اسبقه واقتله، وكانت هناك أماكن، وقفت فيها فتاة 13 عاماً، تمسك بمقص أو سكين، ويوجد حاجز بينها وبين الجنود، لم أكن أريد لجندي أن ي فتح النار ويفرغ مخزن الرصاص على فتاة كهذه، على الجندي العمل فقط إذا واجه الخطر على حياته، والواقع بالذات في منطقة الضفة الغربية في بيئة مدنية، أكثر تعقيدًا بالنسبة للجنود وعليهم العمل بوعي".

تصريحات آيزنكوت التي لم يتحدث فيها عن تعليمات واضحة لإطلاق النار أثارت عاصفة وضجيج في الساحة الأمنية والسياسية الاسرائيلية، حيث عبر عدد من قادة الشرطة عن غضبهم من تصريحات آيزنكوت، وكذلك وزراء من الحكومة ورئيس لجنة الخارجية والامن تساحي هنغبي الذي قال: "إنه يجب على أي شرطي او جندي او اسرائيلي لديه سلاح اطلاق النار على المعتدي وشل حركته وحتى قتله، وانه يجب ألا نضع قيودا على افراد الأمن تفاديا لترددهم في اللحظة التي يجب عليهم ان يتصرفوا".

وردا على الضجيج والنقد الذي وجه لرئيس الأركان، منح وزير الأمن موشي يعلون الغطاء السياسي لرئيس أركان جيشه، وقال: "بخصوص تعليمات اطلاق النار في مواجهة موجة الارهاب لا يجوز ان تتبلد حواسنا وممنوع أن تكون الأصبع سهلة على الزناد والدم يغلي، يجب التصرف بحكمة وهدوء وعدم المس بأبرياء، وان لا نفقد أخلاقنا ونسقط في طريقنا العادلة".

ضجيج يوضح همجية وفاشية الحكومة والمعارضة في السباق على قتل الفلسطينيين ويدحض ادعاءات قادة الجيش حول إطلاق النار وضرورة تحاشي المس بالأبرياء، فالواقع يكذب تلك الادعاءات، سياسة الحكومة والجيش واضحة وهي القتل والتعليمات مبهمة ولا يتم تلقينها بشكل منظم للجنود، وحتى في ما يجري كيف يتم تلقين مجتمع بأكمله مسلح ويطلق النار على أي مشتبه به بما فيهم يهود أصيبوا ظنا منهم انهم فلسطينيين، وحالات محددة التي اجري فيها تحقيق، وحتى التحقيق يأخذ وقتا طويل ولا يتم محاسبة أي من منفذي عمليات القتل وهم يحصلون على الحصانة الكاملة.

لم يهدأ الضجيج على تصريح آيزنكوت وأظهر عقلية العصابة والمزايدة على الدم الفلسطيني والمتاجرة السياسية به، واستغلال ذلك في الصراع على السلطة، حيث وجه زعيم المعارضة ايتسحاك هرتسوغ نقد لاذع لنتانياهو واتهمه بانه ترك آيزنكوت وحيداً من دون أي حماية سياسية في مواجهة الهجوم من وزراء اليمين، كذلك فعل زعيم يش عتيد يائير لابيد الذي منحه استطلاع الرأي لصحيفة معاريف الجمعة الفائتة ارتفاع شعبيته ليصبح ثاني أكبر حزب في إسرائيل بعد ليكود، في حين ذكر الاستطلاع عن انهيار في شعبية المعسكر الصهيوني بزعامة هرتسوغ.

هي عقلية العصابة واستغلال الفرصة والادعاء بأن الجيش وقائده يتمتعون بأخلاق، وانهم أصحاب حق وقضيتهم عادلة في مواجهة "الارهاب" الفلسطيني لإظهار أنفسهم انهم الضحية، وما يعنيهم كيف يموت او يقتل الفلسطيني، فإذا كانت الرصاصة تكفي للقتل، فلماذا يتم افراغ مخزن كامل في جسد طفلة او شاب او امرأة ورجل. هي عقلية العصابة وليس الدفاع عن الضحايا ووقف القتل، والإفلات من العدالة، جميعهم شركاء في الجريمة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد