إذا كان كفاح شباب وشابات فلسطين، الذي يستهدف حقاً جنود وشرطة وأجهزة جيش الاحتلال وميليشياته المسلحة من المستوطنين وهم الأشد فتكاً وعداء للشعب العربي الفلسطيني، وهو كفاح مشروع كفلته القوانين والأنظمة والأعراف الدولية، حق الشعوب في النضال من أجل نيل حريتها واستقلالها واستعادة كرامتها من غاصبيها، وهو كفاح ما زال فردياً، يعكس ردة فعل الوجع والعذاب الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني، مثلما يعكس مقدار وعيه ونُبل مقاصده فيكون العمل الفردي مهما كان متواضعاً أمام قوة العدو وحجم النيران المتوفرة لديه، ونوعية الأسلحة التي يملكها، ويبرز ذلك واضحاً من حجم الضحايا من الفلسطينيين بالعشرات ومن الإسرائيليين بالأفراد. 
فإذا كان هذا الأسلوب الاحتجاجي والفعل الكفاحي تشوبه حالة من عدم الرضا لدى بعض المؤسسات الدولية لأنه قد يوقع مساً غير مقصود لبعض المدنيين الإسرائيليين، فالنضال الأكثر شجاعة على المواجهة، والأكثر قدرة على الاحتمال، والأعمق وعياً بالتضحية هو ذاك الذي يقوم به ويفعله الصحافي الفلسطيني محمد القيق عبر إضرابه عن الطعام منذ ما يقارب الثلاثة أشهر!!. 
كم من الأفعال تمت تأديتها، تضامناً ودعماً مع القيق واحتجاجاً على السلوك المشين للمؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية الإسرائيلية، وهم يرون القيق يذوي ويموت بطيئاً بلا رحمة وبلا أي حس إنساني من أي إسرائيلي في موقع المسؤولية. 
إضراب القيق واقترابه من حافة الموت إدانة صارخة لثلاثة عناوين: 
الأول: نحو العنوان الفلسطيني بسلطتيه في رام الله و غزة ، فكلاهما يتحمل مسؤولية فشل الحركة الوطنية الفلسطينية وإخفاقها أمام عنجهية العدو وتفوقه وعدم القدرة على استنباط وسائل وأدوات كفاحية تجعل من الاحتلال مكلفاً، وتزيد من كلفته التدريجية وتحشره في زاوية العزلة والإدانة ونزع الشرعية عن سلوكه العدواني العنصري الفاشي المتطرف. 
والثاني: نحو المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي يستثمر الضعف الفلسطيني والحروب البينية العربية والإلهاء الدولي بمناهضة الإرهاب والأزمة الاقتصادية كي يستفرد بالشعب الفلسطيني وبحركته الوطنية ويستخف بتطلعاته المشروعة وحقه بالعيش الكريم، فيقمع رموزه وقياداته سواء في مناطق 48 ضد الحركة الإسلامية ونواب حزب التجمع الوطني الديمقراطي ونسف البيوت وتدمير مقومات أهالي منطقة النقب من البدو، وتشريع القوانين العنصرية المقيدة، وفي مناطق 67 بأفعال لا تقل شراسة وقهراً وتخلفاً عن أفعال النازيين والفاشيين وكل مظاهر التطهير العرقي التي ارتكبت في العديد من الأماكن والتواريخ والقوميات. 
والثالث: هو المجتمع الدولي الذي لا يعطي الوقت والاهتمام لمعاناة الشعب العربي الفلسطيني الرازح تحت وطأة الاحتلال الأجنبي، والتمييز العرقي العنصري، وفاشية المستوطنين الأجانب، الأمر الذي يزيد من معاناة الفلسطينيين زمناً ونوعية إجراءات. 
صحيح أن سكرتير الأمم المتحدة عبر عن تفهمه لنضال الفلسطينيين وأن ما يفعله الشباب والشابات يعود سببه الى الاحتلال وإجراءاته، ولكن هذا غير كاف لحماية حياة الصحافي القيق وغيره ممن يختار هذا الطريق الأصعب في مواجهة ظلم الاحتلال وقسوته. 
القيق نموذج للإنسان الفلسطيني، بل نموذج للشعب الفلسطيني برمته، فكل يوم من إضراب القيق هو سنة من عمر الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، إنه سلوك الضعيف المؤمن القوي بعدالة قضيته، وسلوك الاحتلال سلوك المتفوق الذي لا يتحرك خوفاً من ردود الفعل فهو متمكن محمي لديه غطاء دولي يحول دون محاكمته وإدانته ومعاقبته، وانتصار القيق هو انتصار لكل إنسان فلسطيني، وهو انتصار تراكمي لمصلحة انتصار المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني وهزيمة للمشروع الاستعماري الإسرائيلي وهذا هو سبب صمود القيق وسبب عناد تل أبيب وصلفها!!.

h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد