تحتدم المعارك شمال حلب، عَبر عمليات جوية وبرية محمومة، للسيطرة البرية على طول الحدود التركية ـ السورية، بهدف قطع الطرق المؤدية من تركيا إلى سورية، وتحديداً شمال سورية، الرقة، الحسكة، حلب. شكلت تلك الطرق، المعبر الأساس، للسلاح والمقاتلين، المعارضين للنظام السوري، ومنهم داعش والنصرة، وباتت معركة حلب، مع ما ستحمله من نتائج ميدانية، بمثابة مفترق الطرق الاستراتيجي ليس فيما يتعلق بالأزمة السورية فحسب، بل في مسارات الشرق الأوسط الجديد.
الأطراف المتصارعة، فوق الأرض السورية، تتحسس مخاطر ذلك، بل ان بعضها، يرى في نتائج تلك المعركة، ما سيقرر بقاء هذا النظام أو ذاك، وسيرسم آفاق مستقبله إجمالاً. 
رأت المملكة العربية السعودية، في التدخل الروسي، عدواناً خارجياً، خاصة وأن نتائجه الميدانية، بدأت تنعكس وبسرعة، على مرآة الأزمة السورية إجمالاً. من هنا جاء التفكير الجدي السعودي، بالتدخل العسكري في الأزمة السورية، مباشرة، ودون مواربة. قبل يومين تحديداً، هيأت تركيا قاعدة انجرلك الجوية، التي استقبلت عمليات، طائرات سعودية، ستشارك في القتال شمال سورية، ولقصف قواعد داعش والنصرة!
كما أعلنت السعودية، أنها ستشارك في حرب برية، قوامها جيش إسلامي، ستقوم الرياض بتزعمه، وسيكون قوام الجيش السعودي، زهاء 150.000 ألف مقاتل.
السعودية، تنخرط في حرب ضد الحوثيين في اليمن، وتعين جنودها بمحاذاة الحدود السعودية ـ اليمنية، وتكلفها هذه الحرب المليارات من الدولارات، وتستنزف جيشها وذخائرها... ومع ذلك، لم تتورع السعودية، عن بدء إرسال طلائع قواتها الجوية إلى تركيا. 
لعلّه من نافلة القول، إن التدخل السعودي ـ التركي، في الأراضي السورية، جغرافياً وميدانياً، هو أمر محال دون غطاء أميركي، والغطاء هنا مدروس بدقة، وبحدود معينة.. لكن طلائعه قد بدأت، في ظل أجواء ومناخات، لا تشير أبداً لإمكانية تراجع روسيا، عما بدأت به، وهو في نظر العسكرتاريا، عمل ذو طبيعة استراتيجية.
ما بدأت ملامحه تظهر، بوضوح وجلاء، أن عمليات كسر العظام، باتت مهيأة، وعلى وشك الوقوع، وبأن احتمالات الاحتكاك المباشر، المقصود وغير المقصود، خاصة عبر خطوط الطيران الحربي، التركي ـ الروسي ـ السوري ـ السعودي، هو أمر وارد، وغير مستبعد، إضافة لاحتمالات، تدخل سلاح البحر الروسي، لدعم النظام السوري، وفعلياً وصلت سفينتان حربيتان روسيتان للمياه الإقليمية المقابلة للأراضي السورية.
لا ضرورة للتأكيد على أن المنطقة، باتت تعيش في أجواء خطيرة، حذرت دول عظمى، من الانزلاق في حرب عالمية ثالثة! في وقت تغيب فيه آمال الوصول لحل سياسي ـ سلمي، يكفل الأمن والاستقرار. الأطراف الرئيسة في الأزمة، لا ترى أفقاً لأي حل سياسي، دون حسم عدة أمور، عسكرياً، تأتي معركة حلب في أولها، بمعنى تحجيم الدور التركي، ودفعه نحو الانكفاء إلى داخل الجغرافيا التركية.
تشهد المنطقة عَبر تلك الأجواء، خلطاً للأوراق، خاصة على صعيد الورقة الكردية، التي تقلبت أدوارها، واختلطت، بل واستخدمت في اتجاهات عدة. 
والنظام السوري، وكما هو واضح للعيان، انخرط حتى شحمة أذنيه، في استخدام القوة، والتحالف مع قوة أخرى، في المقدم منها، إيران وروسيا، لحسم الأمور عسكرياً، ومن ثم فرض حل يتلاءم مع هذا المحور، على معارضيه ومناوئيه، بل واعتبارهم، جواسيس على الأقل!
يمكن القول، إن الأسابيع القليلة القادمة، ستحمل في ثناياها مستجدات مهمة وخطيرة، فيما يتعلق بمستقبل معركة حلب، وقد يكون بعضها دراماتيكياً، ما سينقل الأزمة من مرحلة الخطر الاستراتيجي إلى مرحلة المتغير الاستراتيجي، الذي سيحمل في مساراته، بدايات لمتغيرات، تبدأ في رسم ملامح شرق أوسط جديد!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد