مخطئ من يعتقد أن الأسرى يعيشون في عالم آخر هو ليس عالمنا، أو أنهم يحيون في مجتمع منفصل عن مجتمعنا، وأن قضيتهم هي ليست جزء من قضيتنا. فهم جزء لا يتجزأ من شعبهم، ومكون أساسي من مكوناته، وقضيتهم تعتبر من القضايا المركزية والثوابت الرئيسية لشعبهم وقياداته. وهم في المحصلة النهائية بشر يُؤثرون ويتَأثرون، وحتى أن علاقتهم الداخلية تتأثر بالأجواء العامة خارج السجون وطبيعة العلاقات الفصائلية. هذه حقيقة لابد وأن نقر بها.

لذا يخطئ كل من اعتقد أو يعتقد بأن الأسرى خارج هذا السياق، و أن "الانقسام" لم يمتد إليهم، أو أن آثاره المؤلمة وتداعياته الخطيرة لم تتسلل إلى صفوفهم وتمزق وحدتهم. فالانقسام الجغرافي والسياسي والاجتماعي مزقّ الوطن، وفتت وحدة النسيج الاجتماعي، كما وامتد وتخطى الجدار الشاهقة وخدش وحدة الأسرى، و خيّم على طبيعة العلاقات الداخلية، وأثر على مسيرتهم النضالية، وأضعف من قدرتهم على مواجهة السجان وإدارة السجون، بل وأفقدهم -بهذا القدر أو ذاك- القدرة على الرد بنفس واحد وصوت واحد، فتشتت المواقف وتبعثرت الجهود، وما الخطوات الفردية أو الحزبية إلا انعكاس لهذا الواقع، لهذا لم نعد نرى إضرابا شاملا يخوضه كافة الأسرى بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية، على الرغم من أن الحركة الأسيرة هي أحوج ما تكون لهذه الخطوة في ظل تصاعد الإجراءات القمعية بحقهم من قبل إدارة السجون في السنوات الأخيرة.

 

ومما لا شك فيه أن إدارة السجون اقتنصت هذه الفرصة ولم تفوتها، فأقدمت على اتخاذ خطوات تغذي "الانقسام" وتمزق وحدتهم، كما هي وحدتنا ممزقة، فاستفردت بهم و فصلت فيما بينهم وفقاً للسكن والانتماء الحزبي، وقليلة هي الأصوات أو الخطوات التي دعت إلى إنهاء هذا الفصل والمطالبة بالعودة للعيش في غرف مشتركة كما كان في الماضي، أو حتى أقسام واحدة.

 

وبسبب الانقسام أغلقت مؤسسات عديدة كان فاعلة وناشطة في مجال الدفاع عن الأسرى في كل من الضفة الغربية و قطاع غزة ، وزج ببعض النشطاء في السجون الفلسطينية، وألغيت بعض الفعاليات وفرض الحصول على تصريح مسبق قبل تنظيم بعض الأنشطة، وبرزت مشاهد مؤلمة هنا وهناك تعكس واقع الحال. فتشتت الجهود ولم تعد قضية الأسرى تجمعنا، كما لم تعد معاناة الأبناء توحد عائلاتهم.

لكن وعلى الرغم من هذه الصورة المؤلمة، هناك جهود تبذل لتوحيد الأنشطة وهناك أجسام موحدة كلجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية في غزة، والهيئة العليا لشؤون الأسرى في الضفة الغربية، ومع ذلك وبالرغم مما يقال في هذا الصدد ، فأنني أرى بأن انعكاسات "الانقسام" وتأثيراته على الأسرى وقضيتهم هي أقل بكثير من انعكاساته على القضية الفلسطينية برمتها وعلى ابناء الشعب الفلسطيني كافة. مما يدعونا دوما للتأكيد على أن "الانقسام" ظاهرة مريرة، استثنائية في مسيرة الشعب الفلسطيني، ويجب أن ينتهي دون رجعة، وأن نطوى صفحته السوداء والى الأبد. فالشهداء والأسرى ناضلوا من أجل وطن واحد، لا من أجل وطن ممزق، وضحوا بدمائهم وبزهرات شبابهم من أجل شعب واحد، لا شعب يتخاصم فيه الإخوة ويتقاتل فيه المقاتلون.

 

ان رسالة الأسرى، "الوحدة الوطنية أولا وثانيا وثالثا"، وهم قد استشعروا الخطر مبكراً، وحذروا مراراً من تداعيات الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني الذي سبق "الانقسام"، ولأنهم الطليعة والأكثر قراءة للواقع والحاضر والمستقبل، أصدروا "وثيقة الوفاق الوطني" التي شكلت أساساً قويا للحوار الفلسطيني – الفلسطيني، ومقدمة مهمة لاستعادة الوحدة الوطنية، بل ذهبوا في أوقات سابقة إلى أبعد من ذلك وخاض مجموعة من الأسرى إضرابا مفتوحا عن الطعام تحت شعار "الأسرى يريدون استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام"..!

 

اليوم وكما كل يوم مضى في ظل غياب الوحدة الوطنية، فإن عيوننا وعيون الأسرى ترنو الى الوحدة الوطنية، وإلى حيث اللقاءات الثنائية اليوم ما بين فتح و حماس في العاصمة القطرية "الدوحة"، وبرغم تضاؤل التوقعات، إلا أن الأمل يبقى قائما باستعادة الوحدة الوطنية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد