بين تعليق محادثات جنيف يوم الأربعاء الماضي واستئنافها يوم الخامس والعشرين من شباط الجاري، لا يبدو أن «حدثاً دراماتيكياً» سيحدث، لكن هناك ما يشير إلى أن أحداً من الطرفين، لم يعد يعول كثيراً على مواصلة طريق جنيف، على الأقل، قبل جولة من الاقتتال الميداني، التي قد تعيد حسابات الأطراف، بحيث تقنعها بأن هناك حلاً ما ممكناً في الأفق!
جوهر الحل السياسي الذي كانت الأطراف قد دارت حوله في السابق، والمتضمن وقف النار، وإجراء انتخابات عامة خلال مرحلة انتقالية، صار بعيداً، ذلك أن الجميع غرق في التفاصيل أولاً، وثانياً، حدثت مستجدات، أعادت تدوير الملف وقلبته رأساً على عقب، فقد حدث خلال العام الماضي أن حدثين مهمين أثرّا على الملف السوري، ووضعا العقبات في طريق الحل عبر جنيف، ورغم نزع فتيل التوتر بين إيران، أحد أهم حلفاء النظام السوري، والغرب داعم المعارضة، فيما يخص ملفها النووي، إلا أن إيران سعت إلى فتح جبهة على العرب داعمي المعارضة السورية في جنوب الجزيرة العربية (اليمن) لإضعاف دور السعودية وحلفائها الخليجيات في سورية.
ثم كان للتدخل العسكري الروسي منذ 30 أيلول الماضي تأثير ميداني كبير، شدّ من عضد النظام، الذي كان يتراجع قبل ذلك التدخل ميدانياً حتى كاد أن يكون محصوراً في العاصمة السورية، ولأن داعش عدوة الجميع، ووجودها أضعف كثيراً من دور المعارضة السياسية والعسكرية المعتدلة، فإن حلفاء المعارضة من العرب والغرب وجدوا في محاربة داعش مدخلاً لإعادة التوازن الميداني بين النظام ومعارضيه.
نحو ستة أشهر من التدخل العسكري الروسي، كان من شأنها، أن تعيد زمام المبادرة للنظام، الذي اقترب كثيراً من معاقل المعارضة في الجنوب، أطراف درعا، وفي الشمال، حيث حلب وإدلب، والتقارير تشير إلى أن قوات النظام تقترب من فرض حصار على حلب الشرقية، حيث قوات المعارضة، الأمر الذي دفع الدول المؤيدة للمعارضة للتحضير إلى تشكيل قوات برية للتدخل لمحاربة داعش أولاً، ومن ثم لحماية المعارضة، حيث من المقدر أن تقيم قوات النظام السوري في حال دخولها لمعاقل المعارضة مذابح تطهير عرقي، تسبقها بالطبع حالات تهجير لمئات آلاف السوريين، على أساس مذهبي أو طائفي.
في الوقت الذي تشعر فيه أركان النظام السوري بالنشوة، لدرجة إغلاق منافذ جنيف بإصرارهم على بقاء الرئيس بشار الأسد خلال المرحلة الانتقالية وحتى بحقه في الترشح مجدداً، فإنها تخطئ التقدير، لأنها تقامر بالكامل، ذلك أن التقدم الميداني ليس دائماً، وكذلك فإن الملف السوري، لم يعد ملفاً داخلياً، ليصر وليد المعلم، وزير خارجية النظام السوري، على ضرورة إغلاق الحدود التركية والأردنية قبل وقف النار، مع وجود القوات الأجنبية _ من حزب الله والحرس الثوري والجيش الروسي، وقوات الغرب _ داخل سورية. 
من الواضح أن التدخل الخارجي متعدد الأطراف والأشكال وعلى الجانبين، لن يحسم الصراع، بسبب كونه ما زال تدخلاً جوياً، ومعروف أن الحروب تحسم بالجيوش البرية، لذا فإن حسم العربية السعودية وشقيقاتها العربيات والدول الإسلامية السنية للحرب في اليمن، ومع خط نهاية تلك الحرب، بات بمقدور السعودية وتركيا التدخل ميدانياً في سورية لموازنة التدخل الإيراني _الشيعي / اللبناني، كذلك التدخل الروسي، المختلف عن تدخل الغرب الذي يقتصر على محاربة داعش.
على كل حال، حتى لو توقف إطلاق النار اليوم في سورية، فإنه لا يمكن القول إنه يمكن عودة الأمور إلى ما كانت عليه، ذلك أن سقوط أكثر من ربع مليون ضحية، كذلك تهجير نحو نصف سكان البلاد، خاصة من المواطنين المسلمين / السنة، وحجم الدمار والخسائر الاقتصادية، وحجم التدخل الدولي والإقليمي، يرجح بأنه بانتظار سورية صيف ساخن، قد ينتهي باتفاق دولي، وليس باتفاق بين النظام والمعارضة، على وقف للنار مع تقسيم جغرافي للبلاد، حيث لم يعد ممكناً أن يعود النظام العلوي لحكم الأكثرية السنية، وبالتحديد من غير الممكن أن يحكم بشار الأسد البلاد، إلا لو تحولت إلى «خرابة» فمن تهجر داخل سورية من العرب / المسلمين / السنة، هرب لمناطق المعارضة، وفي حال انهارت هذه المعارضة، فإن هؤلاء سيهربون إلى تركيا والأردن، ويستمر بذلك الفرز الطائفي، لذا إما أن تتم التضحية بالنظام، والتوافق على نظام يشبه النظام العراقي أو حتى اللبناني، أو تقسيم البلاد، ولا حل آخر يبدو ممكناً، لكن دون كل ذلك فصل أخير من حرب ضروس، ستكون صارخة في إقليميتها هذه المرة، حيث ستفضل الدول الإقليمية، ومنها روسيا وتركيا، إيران والسعودية المواجهة في سورية، بعد أن كان ذلك ممكناً في اليمن أو مباشرة، حتى تصل الأمور إلى مداها الأخير، وحتى يكون ممكناً الاقتراب من حلول لملفات أخرى إقليمية، منها الملف الفلسطيني، الذي يبدو أن محاولة قطر حله أو تبريده على الأقل سيتقدم عملياً خطوة أو أكثر، وذلك لضمان حشد القوى، على إيقاع الملف السوري الساخن جداً، هذه الأيام، والذي يبدو أنه سيشغل الدنيا بأسرها هذا العام ! 
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد