250-TRIAL- أصبحت حركة حماس في وضع أسوأ، بعد أن اعلنت إسرائيل عن موافقتها على وقف إطلاق النار، بناء على المبادرة المصرية، فيما واصلت صواريخ " غزة " انطلاقها، ما دفع بنيامين نتنياهو إلى استثمار الفرصة فورا، وبعد ست ساعات، فقط من إعلانه وقف النار من جانب واحد، عاد وأعطى أوامره للجيش الإسرائيلي بقصف غزة، بدرجة أشد مما كان في الأسبوع الأول من حرب إسرائيل الثالثة عليها.
لا شك أن الظروف الإقليمية المحيطة بتوقيت هذه الحرب، جعلت مستوى ودرجة التعاطف مع غزة / ضحية العدوان الهمجي الإسرائيلي، أقل بكثير، مما كانت عليه الحال في الحربين السابقتين، وجاء الفخ الجديد المتمثل بإعلان إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد، ليزيد الطين بلة، وقد كانت إسرائيل تعلم جيدا، ان إعلان وقف إطلاق النار، يحرج حماس بشكل حاد، وهي التي كانت قد أعلنت شروطا "منها" ما هو تعجيزي، ومنها ما هو ساذج، لعقد تهدئة جديدة، فجاء اقتراح وقف النار، بمثابة صفعة واضحة، لتلك الشروط، التي أولها وأقلها، كان أن تهدئة 2012 التي عقدها محمد مرسي، صارت وراء ظهر الجميع، وبدأ قادة حماس والجهاد، في التسابق بإعلاء سقف المطالب، لوقف العدوان الإسرائيلي، المهم، ان اعلان إسرائيل وقف النار من جانب واحد، قد وضع حماس أمام خيارين أحلاهما مر.
فإما أن توافق دون قيد أو شرط، على وقف النار، وتخرج بخفي حنين، ولا حتى بالقدرة على ادعاء "النصر" كما اعتادت القول في مناسبتين سابقتين، أو ترفض، وبالتالي يزيد هذا الرفض من قدرة إسرائيل على المناورة السياسية وعلى "البطش" بغزة، دون اي رد فعل دولي يذكر. 
وكما اشرنا في مقال سابق، فإن حدود اللعبة هذه المرة، تكاد تكون واضحة، وتتمثل في عدم الحاق صواريخ حماس الأذى بأرواح الإسرائيليين، مقابل عدم اقدام إسرائيل على الاغتيالات، وحتى يكون الطرفان رابحين، فلا بأس من حرب دون الاجتياح البري، لأنه لا يكون مضمونا، وخسائره تكون أكبر، ولا يمكن تجنب سقوط الضحايا في الجانب الإسرائيلي وفي جانب "المقاومين".
وقد منّت حماس النفس بتحقيق مكاسب سياسية وتنظيمية، بالغت - كما أسلفنا - في المطالبة بتحقيق بعضها مقابل قبولها لوقف النار، من مثل فتح المطار والميناء، أي اتصال غزة بالعالم الخارجي (تحت شعار فك الحصار) وبالتالي تحولها إلى كيان مستقل، ودولة بالواقع، ومنها بالطبع، فتح معبر رفح دون اشتراط الوجود الدولي، اي دون وجود حرس الرئيس أبو مازن، وبالتالي اعادة الأمر لما كان عليه ايام حكم الإخوان، وبذلك حلمت حماس بالتخلص من "عبء" المصالحة عليها، بسيطرة الرئاسة الفلسطينية على معبر رفح، كما طالبت حماس بالإفراج عمن اعتقلوا من قياداتها في الضفة الغربية، ضمن حملة "البحث" عن المستوطنين المختطفين.
ربما وجدت حماس، بعد ما وجدت نفسها في ضائقة شديدة جراء سقوط حكم الإخوان في مصر، في الحرب مع إسرائيل، خشبة خلاص، خاصة بعد أن تلكأ أبو مازن في تقديم تلك الخشبة من خلال بوابة المصالحة، لذا فإنها تفاعلت مع رغبة إسرائيلية في الهروب من لهب انتفاضة ثالثة في القدس والضفة، باتجاه غزة، ورفضت - على عكس الجهاد الإسلامي، الذي ليس له مشكلة مع مصر / السيسي - تدخل مصر كوسيط، وفضلت قطر وتركيا، وهذا محور لا يفضله الجهاد، الذي ما زال حليفا لسورية وايران، وقد باتت خيارات حماس قليلة، وقدرتها على المناورة محدودة، وإذا ما تم تجريدها من قدراتها العسكرية، خاصة القوة الصاروخية، بعد أن خسرت مصادر قوتها السياسية، بما في ذلك التأثير الجماهيري، فإنه سيكون من السهل بعد ذلك "إسقاطها" من حكم غزة، أو بمعنى أدق من التحكم بها.
ولأنه لا يمكن كسب المواجهات أو الحروب، بالحصاد في الحقل، أو بالنتائج الميدانية وحسب، حيث لا بد من مهارة سياسية في إدارة الحرب، فقد تحقق في "تعليق" وقف النار، بناء على مبادرة الأمم المتحدة الإنسانية، فرصة إضافية لحركة حماس، التي حاولت أن تخرج بإشارة النصر، من خلال محاولة تنفيذ عملية اختراق للحدود عبر تسلل نحو اثني عشر مقاتلا، للاشتباك مع الإسرائيليين، وربما لخطف عدد منهم (وكانت مجموعة كوماندوز حمساوي قد تسللت بعد أيام قليلة من الحرب على غزة، عبر البحر إلى ميناء أسدود، لتحقيق الهدف ذاته)، فسارعت بدافع الاقتراب من المبادرة المصرية، لتعديل مطالبها، بحيث تتضمن الالتزام بتهدئة 2012 - بما في ذلك إطلاق سراح من افرج عنهم وفق صفقة شاليت، بعد ان اعتبرتها وراء ظهر الجميع - كذلك، فك الحصار، من خلال اتفاقية العام 2005 ووجود حرس الرئيس على "ايريز" والمعابر التجارية، بذلك تكون قد خرجت بماء الوجه. 
في الحقيقة ورغم الحسابات الحزبية الضيقة والضارة، كذلك رغم ان الانقسام ما زال قائما، ورغم ان قرار الحرب والتهدئة، كما هو قرار التفاوض، انما هي قرارات مرتجلة، تصل احيانا الى حد السذاجة، إلا ان استعداد الشعب للتضحية والصمود، بسبب أن الاحتلال، يثقل كاهله بمعاناة لا حدود لها، ورغم الظروف الدولية والاقليمية السيئة، حيث لم يكن كما كان متوقعا، ان تهب الدنيا لنصرة غزة، والاحتجاج على المجازر الإسرائيلية بحقها، إلا أن ممارسة "التكامل" في الأدوار، وان بحدوده الدنيا بين عباس وحماس، حيث لعب احدهما دور المتشدد والآخر دور المعتدل، وفيما كان احدهما يدير المواجهة على الأرض كان الآخر يحمي الظهر، في أروقة السياسة والاتصالات الدولية، ما وفر لشعبنا، وضع حد لشلال الدم، دون المزيد من الإراقة، كذلك مكن المستوى المقاوم أن يخرج بكرامة، فيما كان شكل استعداد الضفة والـ 48 لإطلاق الانتفاضة الثالثة، رادعا إضافيا لإسرائيل، وهذا هو أهم درس من هذه الحلقة من المواجهة، ضرورة تكامل الأدوار وتبادلها بين الفصائل والسياسيين الفلسطينيين. 
كذلك ضرورة إطلاق كل خنادق المواجهة معا، وعدم السماح لإسرائيل يأن تنفرد بتجمع فلسطيني، لا بالقدس، أو غزة، أو الضفة، ولا حتى بفلسطينيي الـ 48. 
ولأن حماس ترى في هذه الحرب خشبة خلاصها، أو أن نتيجتها تقرر مصيرها ومستقبلها السياسي، حتى تذهب لانتخابات وهي تضمن وجودا مؤثرا ومشرفا، فإنه لا بد من إدراك أن حماس متوافقة مع الكل الوطني، تمثل مركز قوة للكل الفلسطيني، على عكس حماس متعاكسة معه، وكما هي حال فتح نظيفة مركز قوة للكل الفلسطني، على عكس فتح فاسدة، فلا بد من الحرص، كل الحرص، على أن تنتهي الحرب الثالثة على غزة، بانتصار حقيقي، على الهدف الاسرائيلي المتمثل بشق الصفوف، وإعلان النصر بأن تقرر حماس مصيرها في الإطار الفلسطيني وضمن الحدود الوطنية، وذلك بضم حماس والجهاد لـ م.ت.ف، وبتكامل برنامجي المواجهة الميداني/ المقاوم، والسياسي/ المفاوض، حتى تكون الحرب الثالثة قد حققت الانتصار الفلسطيني، على طريق تحقيق الأهداف الوطنية بإنهاء الاحتلال وإقامة الد ولة الفلسطينية المستقلة والموحدة، في الضفة وغزة، وعاصمتها القدس.  Rajab22@hotmail.com 16

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد