عقود طويلة انقضت وما زالت القضية الفلسطينية تعيش أزمات وانكسارات متلاحقة، سببها الضعف والوهن العربي والخوض في قضايا هامشية على حساب قضايا الأمة المركزية، ورغبة الأنظمة في العيش دور الضحية أمام مؤسسات العالم التي لا تنصف ضعيفاً، بالإضافة إلى تهميش دور العقول في مواجهة الاستعمار والزج بها في أقبية السجون، حتى دول الطوق التي كان يجب أن تكون أول من يقف ضد دولة الكيان، وصلت إلى حالة مزرية من التنسيق وتوقيع الاتفاقيات الملزمة التي تحابي دولة الكيان على حساب الفلسطينيين من أجل مصالح لا تخدم المشروع العروبي، الأمر الذي أودى بالقضية الفلسطينية إلى الهاوية، وصولاً إلى الواقع الجديد الذي فرضته الثورات المضادة وبروز شخصيات سياسية فاشلة وضعيفة تمارس القتل والاضطهاد بحق شعوبها، الأمر الذي دفع بها لمحاباة الصهيونية العالمية من أجل الحصول على شرعيات واهنة.

إن تشتيت الإقليم لمناكفات وحروب داخلية جعل فلسطين تخوض حروبها وموتها وحيدة دون أن يتحرك أي نظام لنصرتها، بل على العكس فربما تدعم هذه الدولة أو تلك دولة الاحتلال لإسقاط حكم حركة حماس التي ترفع البندقية شعاراً في مواجهة الاحتلال الغاشم، خصوصاً بعد فشل المفاوضات فشلاً ذريعاً. كما أن الشعوب لم تعد قادرة على التظاهر والتظاهر فقط من أجل غزة وفلسطين لأن الصراعات الداخلية أنهكتها من الداخل.

وإزاء ذلك كان لا بد من الحديث عن الواقع الجديد ومئال القضية عما إذا كانت المقاومة تستطيع أن تحقق التحرر الوطني، أم أن كي الوعي الجمعي الذي صنعته الحروب أرهق عقل المواطن الفلسطيني فوصل إلى حالة الاستسلام والتسليم بالمفاوضات والتنسيق الأمني؟

ففي الوقت الذي يعلن فيه رئيس جهاز المخابرات العامة لدى السلطة الفلسطينية في رام الله ماجد فرج عن إحباط 200 عملية فدائية (إرهابية على حد قوله) يموت في غزة سبعة شبان في سن الزهور وهم يحفرون نفقاً تحت الأرض لمواجهة الجند المدججين بالسلاح من مسافة صفر. وفي الوقت الذي يردد فيه رئيس السلطة أمام حشد من الصهاينة برغبته في الحل والتودد لمن هم على شاكلة قاتلي عائلة دوابشة، يتوعد قادة فصائل المقاومة الكيان الصهيوني بأن الجولة القادمة ستكون أكثر عنقاً وبطشاً. فكي الوعي لم يعد يجدي أمام المحاصرين الذين فقدوا خلال عشر سنوات كل مقومات الحياة ويعيشون ازمات متلاحقة. ولكن هل البندقية هي الحل؟ وأي بندقية إذاً؟

نعم، البندقية هي الحل، خصوصاً بعد فشل المفاوضات التي كبلت السلطة وصنعت منها مجرد شرطي يحرس أمن دولة الكيان. وبعد أن أصبح الراتب مرهون بالتسليم على بيع ما تبقى من الوطن، خصوصاً في ظل التهويد الغير مسبوق والاستيطان وعمليات القتل بحق الفلسطينيين داخل المناطق سي وبي وداخل مناطق السلطة أيضاً. ولعل المتابع للحالة الفلسطينية يدرك كيف صنعت انتفاضة القدس الحالية حالة من التوازن مع الصهاينة بعد أن أوغل المستوطنون قتلاً وحرقاً بحق أهلنا في الخليل والقدس وغيرها. فلا مجال للوهن والضعف أمام هذا الكيان الذي يؤمن بيهودية الدولة. وإن البندقية يجب أن تكون واعية لقدراتها فلا تعطي نفسها حجماً أكبر من حجمها، وأن تتسلح بالعمل الجمعي باتفاق الفصائل جميعها كي يتم تسويق الأمر للعالم بأنه قرار وطني شعبي وكيفية شرعنتها أمام العالم الذي بات منشغلاً بقضايا أخرى على حساب القضية الفلسطينية، فإزهاق الأرواح لا يجب أن يكون عبثاً، وإنه من العبث الخوض في حرب مع المحتل اليوم بعد أن استنزفت الحروب السابقة قطاع غزة وعملت على كي الوعي لدى ساكنيه. وإن حركة فتح تحديداً يجب أن تأخذ بزمام المبادرة والتسويق لشرعية المقاومة بدلاً من الزج بها خارج إطار الوطنية واتهام أصحابها بتجار الحروب، لأن تجار الوطن أكثر وهم يتربعون على رأس السلطة اليوم. وعلى فصائل اليسار أن تدعم دخول الفصائل الإسلامية وغيرها منظمة التحرير وإعادة اللحمة المجتمعية من خلال تحقيق المصالحة ودمج الموظفين حتى نكون قادرين الدخول في مواجهة مع المحتل، فلا يمكن ليد تفاوض أن تصنع وطناً دون الحاجة لقوة ردع وهي تكوين جيش وطني فلسطيني قادر على صد الاعتداءات الصهيونية وإعلان الحرب على الكيان في أي وقت طالما لم تلتزم إسرائيل باتفاقات الامم المتحدة التي لا تغني من جوع طالما بقي الجسد العربي والفلسطيني ممزقاً.

إن البندقية الفلسطينية هي الحل الأمثل لمواجهة الاحتلال، ولكنها بحاجة لدبلوماسية تسوق لها أمام الرأي العام العالمي وبحاجة لاحتضان رسمي وشعبي محلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد