رغم تقدم الراحل ياسر عرفات في العمر العام 2004، ورغم ما كان يعانيه من "وهن" ناجم عن عمر أمضاه في الكفاح الوطني دون كلل أو ملل، إلا أن إسرائيل لم تتردد في اتخاذ قرارها باغتياله "تدريجيا" بدس السم له، وذلك بعد أن حملته مسؤولية انتفاضة الأقصى التي انطلقت العام 2000، بعد انسداد الأفق التفاوضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومرور موعد انتهاء المرحلة الانتقالية حسب اتفاقات أوسلو بين الجانبين في العام 1999، دون التوصل للحل النهائي الذي ينهي الاحتلال الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين. 


يبدو أن السيناريو يتكرر مرة أخرى وإن بشيء من الاختلاف، ذلك انه بعد مرور عشرة أعوام أخرى، أي الفترة التي أمضاها الرئيس محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية، أنسد الأفق مجددا ولم يحدث أي تقدم يذكر، رغم حالة الهدوء التي سادت خلال الفترة، بالنظر إلى ما حدث العام 2000 من مواجهة عنيفة، ولا حتى على مستوى عودة قوات الاحتلال إلى ما كان عليه الحال العام 2000، أي قبل اندلاع تلك المواجهة.


إسرائيل بالطبع تحمل الرئيس أبو مازن مسؤولية ما يحدث الآن من هبة شبابية في وجه الاحتلال، وكان رئيس حكومتها واضحا وصريحا، حين أشار إلى أن الهبة انطلقت نتيجة تحريض السلطة وفي أعقاب خطاب الرئيس الفلسطيني في الأمم المتحدة أواخر أيلول من العام الماضي، لذا فإن "حياة" الرئيس الشخصية تبدو مهددة من قبل العدو الإسرائيلي، دون مغالاة ودون إغفال في الوقت ذاته.


وإذا كانت إسرائيل قد "توّجت" ميدانيا مواجهة العام 2000 ببناء ما سمته السور الواقي العام 2002، وكان من نتيجته إقامة جدار حاجز وفاصل بين الضفة و غزة من جهة وإسرائيل/ الخط الأخضر من جهة أخرى، فإنها ستسعى بتقديرنا هذه المرة، إلى إقامة جدر فاصلة أو معازل، يكون من شأنها إحاطة ومن ثم عزل المدن والتجمعات السكانية في الضفة الغربية، خاصة تلك التي تعتقد أنها "بؤر" للمقاومة،  مثل الخليل و القدس و بيت لحم ، وصولا إلى نابلس وجنين. 


ومن يتابع ما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية تباعا تزداد قناعته بهذه الوجهة الإسرائيلية، التي ستنتهي عند إقامة خط فاصل داخل الضفة الغربية، قد يكون هو الخط الحدودي بين دولة إسرائيل وتجمعات الاستيطان من جهة والتجمعات السكانية الفلسطينية من جهة ثانية.  


بالطبع لن يكون بمقدور المواطنين الفلسطينيين المرور أو التنقل بين المدن الفلسطينية في الضفة الغربية إلا بعد الخضوع للتفتيش الأمني الإسرائيلي، ومن يدري، ربما شيئا فشيئا، تقوم إسرائيل بإقامة سلطات محلية، تدير الشأن المدني، من نمط توسيع صلاحيات البلديات مثلا! 


يجب ألا ننسى أن إحدى نتائج المواجهة العام 2000، كانت فصل غزة عن الضفة، بعد أن ضغطت إسرائيل والولايات المتحدة على السلطة ورئيسها أبو مازن العام 2005 لعدم تمديد تأجيل إجراء الانتخابات التشريعية الثانية مرة ثانية، وهي تعلم ان نتائج الاستطلاع تشير إلى فوز متوقع بل ومرجح لحركة حماس ، لتفرض بالتالي وجود رأسين للسلطة متناكفين، ومن ثم تشجع الانقسام رسميا العام 2007، لذا فإنه يمكن توقع أمر مشابه وإن كان غير متطابق هذه المرة.


هذه المرة ـ بتقديرنا ـ لن تفضل إسرائيل، مجيء خليفة لأبو مازن من شأنه أن يوحد السلطة في الضفة الغربية والقدس، على الأقل، كما كان حال الرئيس الحالي، الذي تولى رئاسة السلطة ولكن في الضفة الغربية فقط دون غزة، بعد اقل من عام على توليه المسؤولية. 


ويمكن لإسرائيل أن تتحكم في الأمر، ليس لأنها تتحكم بضريبة القيمة المضافة، ولكن لأنه دون موافقتها، لا يمكن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية عامة، حتى لو أتفق الفلسطينيون في الضفة وغزة على إنهاء الانقسام غدا، وحيث إنها ـ بتقديرنا، كما أشرنا قبل قليل ـ لا تفضل وجود سلطة مركزية ورأس واحد للسلطة في الضفة والقدس، فإنها لن تكون معنية بإجراء مثل تلك الانتخابات، حتى لو وافق الفلسطينيون على إجرائها في القدس والضفة فقط، دون غزة!


ميدانيا، سيكون من شأن إقامة جدار العزل، تحقيق الأمن ومن ثم إمكانية ضم فعلي للمستوطنات لدولة إسرائيل، جغرافيا وليس قانونيا وسياسيا وحسب، وبالتالي فإنها لن تظل بحاجة إلى ما يسمى التنسيق الأمني مع السلطة، وهي لن تكون بذلك معنية بمنع انهيار السلطة، بل ربما تفضل حدوث فصل من "الفوضى الفلسطينية الخلاقة" التي تنتهي بوجود سلطات عسكرية، في تلك المعازل، كما هو الحال في مخيم عين الحلوة بلبنان مثلا، وكما هو الحال في سورية وليبيا، حيث هناك قوة ناشئة لحزب التحرير في الخليل والقدس، وهناك محاولة لتصدير "الصابرين" للضفة الغربية، فضلا عن وجود تقليدي لحركات فتح وحماس وغيرها، والمهم أن عاما من المواجهة ـ نقصد العام 2016، وربما عاما إضافيا آخر، من شأنه أن "يدمر" الاقتصاد الوطني المستقل في مدن الخليل، نابلس و رام الله ، بالنظر إلى أرقام الخسائر الاقتصادية الناجمة عن المواجهة الدائرة، ومن شأن ذلك تعميم الفقر وحتى اليأس والإحباط، بما يهيئ التربة لتصير خصبة جدا لنمو القوى المتشددة والمتطرفة، بما يرجح ما نظن أن إسرائيل تسعى إليه جديا، مع توقعات بأن يشهد العام الحالي حلا سياسيا في سورية.


Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد