هل صحيح سيصار إلى تحويل مطار غزة أو مطار ياسر عرفات جنوب قطاع غزة إلى محطة للطاقة الشمسية كما  نسب الى رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة السفير محمد العمادي ؟ هل يعقل أن يرتكب أحد جريمة بمثل هذه دون مساءلة من احد؟ ثم من يمتلك حق تحويل مكان بمثل هذه الاهمية بالنسبة للشعب الفلسطيني ولنضالاته ولمكتسباته السياسية؟ إن الامر الصادم في كل ذلك هو ان هناك من يضع نفسه وصياً على القطاع ويقرر نيابة عنه وعن اهله وتاريخه ومنجزاته السياسية وتطلعاته. من المؤكد ان أي سلطة سياسية في العالم لا تمتلك مثل هذا الحق، ولا حتى السلطة السياسية الحاكمة للقطاع، لن صلاحيات أي سلطة ليست بلا حدود وبلا قيود.
جملة من الملاحظات لابد الالتفات لها في هذا السياق. ولكن قبل الحديث عن الجرم المشار إليه لابد من الاقتباس من الخبر المتداول على المواقع الاخبارية حتى يشعر المرء بحجم الكارثة. فالسفير العبادي أشار إلى أن السلطات الإسرائيلية أبدت موافقات مبدئية على مسار خط الغاز والذي سيكون شرق القطاع بمحاذاة اسرائيل، فضلاً عن اختيار منطقة مطار غزة الدولي سابقاً جنوب القطاع لصالح إنشاء محطة الطاقة الشمسية. بل ذهب للقول إلى أنهم يعملون حالياً  "على إنهاء الترتيبات الفنية الخاصة بمشروع خط الغاز من أجل تقديمه للجانب الإسرائيلي للحصول على الموافقة النهائية والبدء بخطوات عملية مطلع مارس (آذار) المقبل من أجل التخفيف من أزمة الطاقة في غزة". .وأضاف إلى أن عدة تحركات جرت مؤخراً من أجل البدء بإنشاء خط أسمنت سائل إلى القطاع بدلاً من إدخاله عبر الشاحنات من خلال معبر كرم أبو سالم. وفي تشديد آخر نوه إلى أن أن اللجنة القطرية تبذل جهوداً "جبارة" مع اللجنة الرباعية الدولية والأمم المتحدة من أجل تخفيف حدة الحصار المفروض على القطاع منذ عشر سنوات والتخفيف من معاناة السكان في غزة.
يمكن لقارئ محايد أن يعتقد بان اللجنة القطرية والسيد العبادي مهمتهم التفاوض عن الشعب الفلسطيني مع إسرائيل والرباعية الدولية حول كافة تفاصيل الحياة الفلسطينية في قطاع غزة. فاللجنة تفاوض إسرائيل حول خط غاز وحول محطة توليد طاقة وحول خط أسمنت سائل حول تخفيف الحصار. القصة ليست تقديم معونات ومساعدات، بل تفاوض مع إسرائيل نيابة عن قطاع غزة وحكومة قطاع غزة كما يبدو من الحديث. فهو يصر أن يؤكد ان لا شيء يتم إلا بعد موافقة إسرائيل وفق ما ورد في الخبر، وان رضا إسرائيل هو الشيء الذي يبحث عنه ويتم اكتسابه والحصول عليه قبل الإعلان عن أي مشروع قادم. وهذه معادلة لا يمكن لعاقل أن ينفيها، رغم أننا قد نبغضها. ولكن ثمة إصرار على التركيز عليها في سياق الخبر السابق وفي التعامل مع علاقة قطاع غزة مع إسرائيل.
وأظن كان الاولى أن يتم إخبار المواطن الفلسطيني البذي دفع ببسالة فاتورة العدوان الهمجي في صيف العام 2014 على قطاع غزة عن التفاهمات التي تم والتي بموجبها تم وقف إطلاق النار في مساء 26 آب بعد 51 يوماً. ما هو مصير هذه التفاهمات. ألم تتحدث هذه التفاهمات عن مطار وميناء وهي مطالب استبسلت المقاومة في التمسك بها. أين مصير هذه التفاهمات. وهل من الممكن إن كنا نبحث عن مطار ان نقبل أن يصار تحويله إلى محطة طاقة شمسية. ولماذا لا يصار إلى وضع ألوح الطاقة الشمسية على طول الحدود الشرقية الميتة من جهة المنفعة والاستخدام اليومي بالنسبة للفلسطينيين. لماذا الإصرار على قتل معلم من معالم السيادة الفلسطينية والإصرار على هدم أي منجز حققه الشعب الفلسطيني. 
سأعود إلى قضية التمثيل سابقة الذكر . من الواضح ان ثمة خطوط إقليمية كثيرة تعمل على التدخل فيها. إنها جوهر الإنقسام الفلسطيني ومكمن السر فيه. إنه إنقسام على التمثيل والأحقية في التعبير عن الشعب. وانا كمواطن فلسطيني لي الحق في أن أقف على أي ضفة من نهر الخلاف، أيضاً قد أتفهم نوازع كل طرف في البحث عن احقيته في تمثيل الشعب، لكني لا يمكن بأي حال أن أقبل ان يقوم طرف بإنابة طرف خارجي وقوة إقليمية بالتعبير عن همومي وتطلعاتي. لا يحق لأي كان أن يفوض قطر وغير قطر بأن تفاوض عن الشعب الفلسطيني وتطالب بحقوقه. إن العمق العربي للقضية الوطنية الفلسطينية أكبر من مجرد حوارات مع إسرائيل على خط غاز او خط أسمنت سائل، بل في المطالبة بالحقوق السياسية والقتال مع الشعب الفلسطيني من أجل إنجارها. 
وبالعودة إلى مطار ياسر عرفات جنوب مدينة غزة، فإن من يسعى إلى تحويله إلى محطة للطاقة الشمسية يساعد مع إسرائيل في عملية هدمه التي بدأت بتدميره خلال الإنتفاضة الثانية. وها نحن في الهبة الحالية (هل  هي انتفاضة ثالثة؟) نمحوه حتى من الذاكرة. هل تذكرون الدموع التي ذرفت، والزغاريد التي دوت، والبهجة التي عمت، ورقصات الدبكة التي فجرت الأرض يوم حطت أول طائرة منذ النكبة في مطار فلسطيني. من يريد أن يفعل ذلك عليه ان يستلب ذاكرتنا اولاً حتى لا نتعذب ونجحن نتذكر فرحتنا في ذلك اليوم. 
إنه الألم نفسه الذي أصابنا حين تمت محاولة تغير اسم مدرسة غسان كنفاني في رفح، وتغير اسم شارع اسعد الصفطاوي إلى الجلاء باعتباره امتدادا لشارع الجلاء علماً بأن شارع الجلاء ضمن حدود بلدية غزة وشارع أسعد الصفطاوي ضمن حدود بلدية جباليا. عموماً يمكن الإتيان على الكثير من الشواهد والأدلة التي بعضها في المدارس وبعضها الآخر في أسماء الطرق وبعضها الثالث في الجامعات. لكن المؤكد ان ذاكرة الشعوب لا تموت. والمؤكد بان ليس من حق أحد ان يحدد للناس بوصلة هويتها ولا طريق إنجاز تطلعاتها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد