على الرغم من الادعاءات الإسرائيلية والمناورات الإعلامية، فإن العلاقة بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين علاقة تكاملية، تقوم على تحقيق الهدف المشترك وهو الحفاظ على أرض إسرائيل بمفهومها التوراتي، ومنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية متكاملة الأطراف على حدود العام 1967.
ولعلّ خير دليل على ذلك العملية الإرهابية في قرية دوما، التي راحت ضحيتها عائلة دوابشة، إذ خرج المستوطنون القتلة من البؤرة الاستيطانية «ياشوف تعت» والتي تقع على تلة مقابلة للقرية والقرى المجاورة، وقاموا بفعلتهم الإجرامية.
إنّ المتتبّع لكيفية إقامة هذه البؤرة الاستيطانية الإرهابية يلاحظ دون أدنى شك العلاقة الوطيدة بين الجيش الإسرائيلي والمجموعات الإرهابية.
بؤرة «ياشوف تعت» أقامها قبل سنوات من يطلقون على أنفسهم «شبيبة التلال»، وهي مجموعات استيطانية إرهابية تحاول السيطرة على أراضي الضفة الغربية من خلال إقامة مستوطنة على كل جبل، من أجل خلق أمر واقع يمنع إقامة الدولة الفلسطينية، ويوقف التمدد الديمغرافي الفلسطيني وفق ما تعلنه هذه المجموعات.
ولكن هذه البؤر لم يكن لها أن تقام أو تستمر وتنتعش وتتوسّع تدريجياً لولا الدعم المباشر من الحكومة الإسرائيلية وأذرعها الأمنية.
يؤكد المحلّلون أن البؤر الاستيطانية تبدأ بقيام مجموعة من الإرهابيين اليهود بإقامة بيت متنقّل أو حتى خيمة على رأس تلّة أو جبل في الضفة الغربية، وخلال أيّام تضاف لهذا البيت مجموعة من البيوت المتنقّلة التي لا تتعدى أصابع اليد... ولكن بمجرد وضعها تصبح أمراً واقعاً، وتوفر لقاطنيها الخدمات الأساسية، وخاصة الكهرباء والماء، وبموازاة ذلك تتم حراستها من الجيش الإسرائيلي ليلاً ونهاراً.
بؤرة «ياشوف تعت» التي خرج منها القتلة إلى دوما مكوّنة من عدّة بيوت استيطانية، بعضها ما زال في طور البناء، أي بمعنى أن هناك موافقة وإن لم تكن رسمية على هذا البناء... فلاعجب أن توقف إدارة الاحتلال البناء في آلاف المنازل الفلسطينية في المناطق «ج» وفق تصنيفات أوسلو، بينما لا نرى البناء في مستوطنة يقوم الجيش الإسرائيلي نفسه بحمايتها... ولم تعد نغمة الترخيص التي تدّعيها السلطات الإسرائيلية ذات قيمة... حتى في الأوقات التي اضطرت فيها بسبب الضغوط العالمية إلى إخلاء بؤرة استيطانية، فإنها في اللحظة نفسها، «شرعنت» عشرات البؤر الاستيطانية، وحوّلتها إلى مستوطنات دائمة، وحوّلت لها ميزانيات ضخمة من أجل الاستمرار. 
وبناء على ذلك، كيف نصدق الرواية الإسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلي لم يكن على علم بما حدث، أو لم تكن لديه الإمكانية لمعرفة ما حدث خلال الساعات الأولى من وقوع عملية القتل الإرهابية.
الإرهابي اليهودي «أميرام بن أوليل» الذي وُجِّهت إليه تهمة إحراق منزل دوابشة خرج برفقة زميله من البؤرة الاستيطانية التي تقوم قوات الاحتلال بحراستها... والسؤال: هل تحركات المستوطنين الليلية لم تكن مكشوفة لقوات الاحتلال ووحدات الأمن المحيطة بالبؤرة... أم أن تغاضي هذه القوات عن أفعال الإرهابيين، بل تشجيعها في كثير من الأحيان هو السبب في اقتراف هذه الجريمة.
المستوطنون حاولوا فضح قوات الاحتلال من خلال تسريب معلومات تؤكد أن قوات الاحتلال تمركزت في القرية منذ ساعات الفجر، وربما مع دخول القتلة إليها.. أي أنها كانت على علم بوجود المستوطنين، ولم تحاول مطاردتهم أو القبض عليهم. 
تصوّروا لو أن قوات الاحتلال حاصرت أو دخلت مستوطنة يهودية للاشتباه بوجود فلسطينيين داخلها... هل كانت ستسمح لهم بالخروج أو حتى الهروب دون أن تقلب الأرض حجراً حجراً للقبض عليهم... ألا يدلّ هذا على أن هناك تواطؤاً حقيقياً من الجيش الإسرائيلي مع هذه المجموعات الإرهابية.... وأن غض الطرف هو الذي شجّع وما زال يشجّع المجموعات الإرهابية اليهودية على الاستمرار في نهجها الدموي.
من المؤكد أن حركات المستوطنين وطرقهم سواء المعبّدة أو تلك التي يستخدمونها للاعتداءات والخروج من أوكارهم ليلاً معروفة جيداً لأجهزة الأمن الإسرائيلية. ومن المؤكد أنّ جميع الاعتداءات الاستيطانية التي تطال الحقول والأرض والممتلكات الفلسطينية موثّقة عند أجهزة الأمن الإسرائيلية التي لا تتحرّك إلاّ عندما تقع كارثة تضعها في منطقة الحصار، فتتحرك من أجل امتصاص ردود الفعل الدولية والداخلية للإرهاب اليهودي الممنهج. 
خلال العام الماضي، ارتكبت جماعة «تدفيع الثمن» الإرهابية اليهودية مئات الاعتداءات.. التي لم يكشف إلاّ عن حوادث قليلة منها لذر الرماد في العيون وليس لاقتلاع الإرهاب اليهودي المدعوم من أغلبية واضحة في اليمين الإسرائيلي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد