الطريقة الاستعراضية التي طرح بها نتنياهو مسألة "انهيار" السلطة ودعوته "للاستعداد" الإسرائيلي لها ملفتة للانتباه تسترعي وتستدعي الحذر الشديد.
فالطريقة توحي بأن هذا الانهيار أصبح وشيكاً، وهي باتت مطروحة على الجدول السياسي المباشر، كما أن ردة فعل (المعارضة) الإسرائيلية تأتي في نفس هذا السياق.
المهم أن هذه الطريقة لا توحي من قريب أو بعيد فيما إذا كانت إسرائيل مع هذا الانهيار أم ضده، راضية أم رافضة، سعيدة به أم ممتعضة، مكترثة به أم لا مبالية....؟
معروف أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حذرت أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة وخصوصاً في الآونة الأخيرة من أن "انهيار" السلطة سيلقي على إسرائيل أعباء أمنية وغير أمنية قد تكون بمثابة وبال على إسرائيل، وهو الأمر الذي يوحي بأن بحث مسألة "انهيار" السلطة إنما يأتي في سياق "الاستعداد" لتلك الأعباء، لكن ومع ذلك فإن لمسألة انهيار السلطة قصة أخرى.
الحقيقة أن المقصود الإسرائيلي لانهيار السلطة هو بالذات ما تحضّره إسرائيل من إجراءات عقابية ضد الشعب الفلسطيني وضد السلطة الوطنية، عندما تتخذ السلطة السياسات الخاصة بإعادة النظر في العلاقة التي ترتبت على اتفاقيات أوسلو بعد أن تنصلت إسرائيل وتحللت من كل الالتزامات التي ترتبت عليها جراء التوقيع عليها.
إذن المسألة هي بالأساس الحرب التي ستشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني والتي تراهن من خلالها على تراجع السلطة عن السياسات التي أقرّها المجلس المركزي والقاضية بتحرر الشعب الفلسطيني من القيود التي تكبله على مدار أكثر من عشرين سنة كانت بمثابة غطاء استخدمته إسرائيل لفرض سياسة الأمر الواقع وتحويل كل ما تغير إلى منطلق للتفاوض الجديد والدوران في حلقة جهنمية من الاستيطان والتوسع والقضم، وصولاً إلى تقزيم الأهداف الوطنية وتحويلها إلى مجرد احتياجات خدمية واجتماعية وقضايا اقتصادية تحت نظام هو في الواقع نظام الفصل العنصري لمصلحة المستوطنين.
إذن، وعلى الرغم من أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حذرت حكومة التطرف اليميني من هكذا سياسات، إلاّ أن حزب الليكود بأكثرية ساحقة وباقي أطراف اليمين ترى في سياسة الهجوم الإسرائيلي على السلطة والشعب بعد أن تشق مواقف المجلس المركزي طريقها في واقع العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية الطريقة الأمثل "لتحلل" السلطة وانهيارها. كل المسألة تكمن في شعور إسرائيل بأن المنظمة لم تعد تقبل ببقاء الواقع على ما هو عليه.
وكل المسألة تكمن في أن اسرائيل باتت على قناعة وعلى يقين أن السلطة لن تقبل بأن تستمر بدون سلطة، وأن العلاقة التي كرست السلطة بدون صلاحيات قد انتهت، وان على السلطة أن تغير جذرياً في وظائفها باعتبار أنها لم تعد سلطة مقيدة بأصفاد أوسلو وان وظائفها باتت مرهونة بالسياق الوطني الفلسطيني بقدر ما هو ممكن ومتاح.
ولأن إسرائيل تدرك أن القادم الوحيد على الصعيد الفلسطيني هو إعادة النظر في العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية أو بمعنى آخر إعادة النظر في وظائف السلطة الوطنية فإنها (أي إسرائيل) بدأت تحضّر نفسها لما تسمّيه مرحلة ما بعد انهيار السلطة. تعتقد إسرائيل أن ضغوطها وهجومها على الشعب والسلطة في آنٍ سيؤدي إلى تحللات كبيرة في الواقع الفلسطيني، خصوصاً وأن هذا الواقع يعجّ بالتناقضات الداخلية بين حماس والمنظمة وبين فتح نفسها وبين أصحاب المصالح الاقتصادية الكبرى وبين جموع الشعب وطبقاته الفقيرة.
وتعتقد إسرائيل أن ثمة من يوافق على بقاء السلطة كما هي بدون تغيير أو تبديل، وان اصحاب المصالح الكبرى ربما سيكونون في موقع القدرة على الإمساك بزمام الأمور فيما لو "انهارت" البنى الوطنية للسلطة، وان تحالفاً يمكن أن ينشأ آنذاك بين إسرائيل وبين أصحاب هذه المصالح، وتعتقد إسرائيل أن بقاء الانقسام سيؤدي في الواقع إلى تحويل المناطق الفلسطينية المختلفة إلى مناطق ذات نفوذ ذاتي مستقل.
إذن لدى إسرائيل مخططات كثيرة ومتنوعة وبأشكال يمكن أن ندركها الآن ويمكن أن ندركها لاحقاً، لكن المؤكد أن مراهنات إسرائيل كما فشلت في السابق ستفشل مرة أخرى ومن جديد.
المهم أن يدرك الكل الوطني حجم هذه المخططات، والأكثر أهمية هو أن يدرك هذا الكل الوطني الوسائل الأنجع في مواجهتها، وهذا يتطلب أولاً وقبل كل شيء مراجعة جادة لأداء السلطة ودورها ووظائفها.
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد