في اليومين الماضيين احتل استطلاع الرأي، الذي نفذه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بين 10-12 من هذا الشهر في الضفة الغربية وقطاع غزة ونشرت نتائجه أول من أمس، مكاناً مهماً في اهتمامات الرأي العام المحلي وعلى المستوى الدولي لأن نتائجه تمثل مفاجأة في موقف الجمهور من الأحداث والأوضاع الجارية ورؤية المستقبل. والملفت للنظر أن 67% من الجماهير الفلسطينية يؤيدون استخدام السكاكين في المواجهة مع الاحتلال، و66% يعتقدون أن المواجهات لو تطورت إلى انتفاضة مسلحة ستساهم في تحقيق الحقوق الفلسطينية التي لم تستطع المفاوضات تحقيقها، ونسبة أقل 50% يرون أن الانتفاضة الشعبية الواسعة ستؤدي إلى ذات الإنجاز. ويؤيد 60% كلاً من الانتفاضة الشعبية أو المسلحة. وغالبية 68% تؤيد التخلي عن أوسلو، و64% يدعمون وقف التنسيق الأمني. و52% يعتقدون أن إسرائيل ستتراجع عن الاستيطان فيما لو تخلى الفلسطينيون عن أوسلو. وبلغت نسبة الذين يعارضون حل الدولتين 54%، والمؤيدون 45% فقط. 
والأمر المهم اللافت أيضاً هو انهيار شعبية السلطة والقيادة وفقدان الثقة بهما سواء بالاعتقاد (70%) أن السلطة فاسدة أو بعدم جدية القيادة في التخلي عن أوسلو أوغير راضين عن الأداء والذين يريدون استقالة الرئيس أبو مازن، كما أن شعبية التنظيمين الكبيرين «فتح» و « حماس » تدنت وحصل كل منهما على 33% فقط، في حين ازداد التشاؤم بتحقيق المصالحة (66%). 
بغض النظر عن مدى دقة النتائج بالنظر لطبيعة إجابات الجمهور على استطلاعات الرأي حتى لو كانت العينة دقيقة وجيدة الاختيار وحتى لو طبقت كل معايير الجودة، فهي بلا شك تعبر عن موقف ومزاج المواطنين في هذه المرحلة، فالتشدد في المواقف السياسية والموقف من المواجهات مع إسرائيل يقابله تشدد في الموقف تجاه السلطة والقيادة. وإذا كان قسم من مواقف المواطنين هو تعبير عن الحالة التي يعيشها الوطن، فأخطر شيء في الموضوع هو عدم القناعة بالقيادات وبكل ما هو قائم من سياسات ومواقف. وكأن الجماهير وبالذات الشباب مفصولون عن الأجيال السابقة من قادة سياسيين وقادة مجتمع.
والشيء الذي يعقد الأمور هو الشعور بعدم وجود مخرج أو أفق محدد في المدى المنظور. فالحكومة الإسرائيلية ليست في وارد الذهاب نحو تسوية سياسية وهي تبحث فقط عن إدارة الصراع وكسب المزيد من الوقت وفرض ما يمكن من الوقائع لقتل فرص حل الدولتين. وحتى الولايات المتحدة الأميركية باتت تتحدث صراحة عن ان السياسة الإسرائيلية تقود الى دولة ثنائية القومية، وأنه لم يعد بمقدور الإدارة الأميركية الدفاع عن هذه السياسة. وأوروبا باتت أكثر تصميماً على المضي قدماً في سياسة تمييز بضائع المستوطنات بالرغم من الضغوط الإسرائيلية وهذا ما عبرت عنه فيديريكا موغريني مؤخراً. ويمكن أن يتطور الموقف الأوروبي إلى فرض المزيد من الضغوط على إسرائيلية لتقود سياسة دولية تؤدي إلى عزلة دولية خانقة عليها.
والولايات المتحدة رفعت يدها عن العملية السياسية وأضحى دورها تبشيرياً يتحدث عن مساوئ سياسات الطرفين، فبالاضافة إلى التحدث عن السياسة الإسرائيلية التي تقود إلى تدمير إمكانية حل الدولتين، وعن الرئيس ابو مازن الذي هو مطالب بوقف التحريض ومكافحة الفساد في السلطة. والرباعية الدولية التي فقدت دورها تماماً بعد فشل الوساطة الأميركية وعدم فعالية الأطراف الأخرى واعتمادها على الدور الأميركي.
ولكن من الناحية الأخرى هناك مشكلة فلسطينية داخلية مركبة وهي السبب الرئيس في إحباط الجماهير وتشاؤمها بخصوص المستقبل، فعدا عن الانقسام والكارثة المترتبة عليه وهي لا تنحصر فقط في الحصار المفروض على غزة وإغلاق معبر رفح وتعثر عملية الإعمار والدمار الذي يلحق بجيل كامل يعيش تحت وطأة البطالة والفقر والضياع، أو الضعف الذي أصاب القضية الوطنية بسببه في ظل عدم وجود رؤية واستراتيجية وطنية موحدة للتعامل مع واقع المواجهة الحالية، هناك أيضاً ضعف السلطة وعدم قدرتها على استثمار الحركة الشعبية وتحويلها إلى برنامج يعيد الأمل للشعب ويعيد الثقة بالقيادة. ولا غرابة في أن نجد أن غالبية المواطنين لا تثق بأداء السلطة ويعتقدون بأنها فاسدة وقسم كبير يريدون حلها بدون إدراك حقيقي للنتائج المترتبة على ذلك وبدون خطة نضالية بديلة على الأقل توفر للمواطنين ما تقدمه السلطة. وهذا ينطبق على رغبة نسبة كبيرة من المستطلعة آراؤهم في الهجرة من الوطن حتى لو كانت النسبة في القطاع (41%) بالمقارنة مع الضفة (24%). 
انهيار السلطة هكذا بدون قرار وبدون ترتيب وخلق بديل منطقي سيكون له تداعيات سلبية كبيرة على الشعب الفلسطيني، ولكن هذا قد يكون نتيجة لتدهور الأوضاع على كل المستويات، والمواطنون لا يعلمون ما الذي ستقره القيادة في اجتماعاتها المقبلة بعد الكثير من الحديث عن انتهاء المرحلة الانتقالية وعدم النية للالتزام بأوسلو طالما إسرائيل لا تلتزم بها. وحتى لا يضيع المواطن بين سيل التصريحات والمواقف وحتى يفهم العالم ما نريد نحن بحاجة إلى إعادة صياغة الخطاب السياسي الفلسطيني ليخرج عن نطاق الشعارات والبيانات والدعوات إلى أشياء ملموسة من أفكار ومقترحات وخطط محددة، غير ذلك سنذهب نحو الانهيار السريع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد