شأنها في ذلك شأن سائر القوى والأحزاب الوطنية والقومية واليسارية، حظيت القضية الفلسطينية باهتمام التنظيمات الإسلامية، أو تلك الجماعات التي تعتبر نفسها ذات مرجعية إسلامية، بدرجة بدا فيه اهتمام هذه التنظيمات اكثر مركزية في بعض الأحيان من منافسيها على الساحة السياسية، وذلك لعدة أسباب من أهمها: 


أولاً: إن فلسطين جزء من العالم العربي وتتوسط جغرافيته، وان أغلبية سكانها من المسلمين، وان هذه الرقعة من الأرض العربية تعرضت اكثر من غيرها لاحتلال أجنبي ذي نزعة إقصائية، بدأ في عهد الاستعمار التقليدي الأوروبي، الذي ورثها عن دولة الخلافة العثمانية، وانتهى بقيام الدولة البريطانية المنتدبة على فلسطين بتقديم وعد لزعماء الحركة الصهيونية، توج في نهاية مطاف قصير بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، حيث عمل الانتداب حثيثا فيما بعد على تنفيذ وعده تدريجياً، بالسماح بالهجرة وبناء المستعمرات اليهودية وتقوية وجودها وحمايتها. 
ثانياً: إن القدس ، بمكانتها الدينية والتاريخية، ناهيك عن مسجدها الأقصى، وهو أول قبلة للمسلمين، وبمقدساتها وآثارها الإسلامية الأخرى، تقع في موقع القلب من هذه البقعة المقدسة، التي بارك الله من حولها، ورغم ذلك كله تحولت فلسطين في غفلة من الزمن إلى دولة إسرائيلية يهودية، وهو ما يمس الوجدان الإسلامي، ويتعارض مع المبادئ والقيم والتراث العربي. 
ثالثاً: إن جزءا من شعبها العربي المسلم وقع تحت الاحتلال مباشرة، ونعني به الجزء الذي بقي على أرضه التاريخية، فيما تحول الجزء الأكبر منه إلى لاجئين مشردين مهمشين في ديار الشتات، لا حاضر ولا مستقبل لهم، ولا عنوان يخصهم، الأمر الذي جعل المأساة الفلسطينية، أو ما أطلق عليه اسم النكبة الكبرى، رافعة للاهتمام الإنساني من قبل كل الأطراف السياسية العربية والإسلامية والدولية، الرسمية منها والأهلية.  
في غضون تلك الفترة المبكرة من عمر النكبة، تشكلت في فلسطين وشرق الأردن، حركة الإخوان المسلمين الصاعدة، امتداداً للفرع المصري الأم، ولعب هذا الفرع المختلط من الإخوان المسلمين دوراً تعبوياً في إظهار خطورة مشروع الدولة اليهودية على الأمة كلها على حاضر ومستقبل الشعب العربي المسلم في فلسطين، وبالفعل فقد أدت هذه الحركة الجماهيرية دورها الكفاحي، إلى جانب المتطوعين الذين هبوا لنجدة إخوانهم الفلسطينيين، تلبية لنداء الجهاد المقدس ضد مشروع الدولة اليهودية، وتحقيقا لهدف إرجاع فلسطين المغتصبة إلى الحظيرة الإسلامية. 
وكانت اكبر الحقائق السياسية والسلبية، واهمها على الإطلاق المترتبة على النكبة العام 1948، تجزئة الشعب الفلسطيني إلى ثلاثة كيانات منفصلة، الأول بات جزءا من كيان «دولة إسرائيل» بحكم الأمر الواقع، والثاني كمية سكانية مهملة في  «قطاع غزة » ملحقة بالسيادة المصرية، والثالث صار جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية بعد قرار الوحدة بين الضفتين في نيسان 1950، وفي عناوين الكيانات الثلاثة المقسمة هذه غاب شعب فلسطين في الأردن، تحول الفلسطينيون إلى مواطنين أردنيين لهم كامل حقوق المواطنة وعليهم كامل الواجبات، سواء من كان منهم من سكان الضفة الفلسطينية أو كان من سكان مخيمات اللاجئين في الضفتين، واحسب أن هذه هي خطيئة سياسية كبيرة تم الوقوع فيها، حيث لم تقتصر تداعيات ذلك على المعاملات الرسمية للدولة الأردنية، بل شملت أيضاً الأحزاب السياسية التي كانت قد وضعت في حساباتها وبرامجها هدف تحرير فلسطين، دون أن تراعي أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، باعتبار هذه الهوية نقيضاً للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، الذي أقيم على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها المشرد والمضيع، داخل بلاده وخارجها.
وقد تجاوب مع السياسة الرسمية للدولة الأردنية، بل وانقادت لها دون تمحيص، سائر الأحزاب الإسلامية والقومية واليسارية الناشئة، وهي: حركة الإخوان المسلمين، وحزب التحرير الإسلامي، وحركة القوميين العرب، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب الشيوعي الأردني، وحتى التنظيمات الصغيرة التي نشأت كرد فعل على النكبة لم تُعلن هويتها الفلسطينية، بما حملته من عناوين فضفاضة وملتبسة، مثل شباب الثأر وأبطال العودة، اللذين تكونت منهما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومع أن هذين الفصيلين الصغيرين ولدا من رحم النكبة واللجوء، إلا انهما لم يتمسكا بالهوية الفلسطينية، حيث تشكل إلى جانبها في سورية تنظيم عرف باسم جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد جبريل، وتشكلت حركة في قطاع غزة عرفت لاحقا واشتهرت باسم حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات. 
وحتى حينما تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية بقرار عربي رسمي العام 1964، عبر مجلسها الوطني التأسيسي الأول الذي انعقد في القدس يوم 28 أيار 1964، فقد رفضت هذه  الأحزاب السياسية جميعها التجاوب مع دعوة أحمد الشقيري للانخراط في صفوف المجلس الوطني الفلسطيني، وخاصة حركة الإخوان المسلمين، بحجة أن منظمة التحرير هي أحدى أدوات عدوها اللدود جمال عبد الناصر، وأنها ستكون منظمة في خدمة الأنظمة الرسمية، تعمل على إبراز هوية فرعية تستهدف تمزيق الأمة، وقد بقي موقف الإخوان المسلمين هذا معارضاً لسياسات منظمة التحرير، وزادت معارضتهم للمنظمة بعد انخراط التنظيمات والشخصيات اليسارية والقومية في إطار مؤسسات أول مؤسسة تمثيلية فلسطينية جامعة، وتوج الإخوان المسلمون خطيئتهم السياسية في وقت متأخر برفضهم القرار الرسمي الأردني بفك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الفلسطينية المحتلة الصادر يوم 31/7/1988، ذلك القرار الذي مهد لإعلان الاستقلال الفلسطيني عبر قرار المجلس الوطني الفلسطيني الصادر في الجزائر يوم 15/11/1988. 

h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد