222-TRIAL- لأن الحكومة الإسرائيلية يمينية ومتطرفة، فإنها لا ترى أبعد من أنفها، وهي ما زالت تقرأ خطأ، انضباط القيادات الفلسطينية، وضبط الشارع الفلسطيني، وتظن - وهنا كل الظن إثم - أن احتلالها يمكن أن يدوم، أو أن يظل إلى ما شاء الله، ما دامت هي لا تنام وهي تقوم بكل الفعل الأمني المطلوب، وتقوم بكل ما من شأنه، أن يضعف الجانب الفلسطيني، إن كان من خلال، بذل كل ما تستطيع من أجل إدامة الفرقة بين صفوفه، أو من خلال إبقاء الحواجز الاحتلالية، وأكثر من ذلك من خلال اعتقادها، بأن انشغالات المنطقة بملفات عديدة مفتوحة، سعت إليها إسرائيل منذ وقت، خاصة ما يتعلق منها، بتوسيع دائرة الشقاق بين الإثنيات والطوائف في المنطقة، وصولا إلى إشعال الحروب بينها، وإن هذه الانشغالات، ستردع الفلسطينيين عن المقاومة والانتفاضة.
لم تتعلم إسرائيل الدرس، غير البعيد، والمباشر جيدا، ومفاده أن التاريخ، لا يسير بخط مستقيم، لكنه يتقدم إلى الأمام، وأنه لا يكرر نفسه، لكنه يعيد أشكالا له سابقه، أو أنه يعود بصور مختلفة، وبذا فإن إسرائيل تنسى أن أهم ثورات الكفاح الفلسطيني، كانت تندلع، حين تشتد حلكة الظلام، وحين يعتقد الإسرائيليون، أن أحلامهم المريضة "بموت" القضية الفلسطينية قد تحققت، أو أن "استسلام" الفلسطينيين قد تم.
بعد سنوات وجيزة، وحين تراجعت الجيوش العربية عن متابعة شعاراتها بتحرير فلسطين، بعد احتلالها واغتصابها العام 48، انطلقت الثورة العام 65، وحين بدا للإسرائيليين أن "كابوس" الثورة المسلحة قد تبدد بعد العام 82، اندلعت الانتفاضة العام 87، ويمكن القول - بالملاحظة، إن الشعب الفلسطيني، يجترح كل عشرين عاما، ثورة مدوية، تكون قد اختزلت الثورة السابقة بين طياتها، واستفادت من دروسها، بحيث تنطلق أكثر قوة وفاعلية.
فرضت ثورة 65 / 67 على إسرائيل مراجعة حساباتها بعد أن ظنت أنها قد حققت النصر النهائي على العرب، بالحاق الهزيمة بهم العام 67، وما هو إلا بعض وقت - وكان عبد الناصر قد وافق على مبادرة روجرز - ويعترف بها العرب، وتتم تسوية الحدود بينها وبينهم، وينتهي الأمر، فظهر العامل الفلسطيني في الكرامة، ثم كمقاومة معترف بها، فرضت فكرة أن الحل، كما الحرب، لن يكون بين إسرائيل والعرب، بل بين فلسطين وإسرائيل.
واجهت انتفاضة العام 1987 إسرائيل، كانتفاضة شعبية، أي بقوة الشعب الموحد كله، وليس من خلال نخبه الفدائية، وواجهتها على الأرض المحتلة العام 67، حيث يقر المجتمع الدولي كله باحتلالها وبحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الوجود الاحتلالي الاسرائيلي عليها، وبذا فرضت على إسرائيل الاعتراف بـ (م.ت.ف)، وبحق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.
كل المؤشرات كانت تؤكد، بعد فشل أوسلو في التوصل للحل النهائي، بالتحديد، وبعد أن أغلقت إسرائيل أبواب التفاوض، أي إمكانية التوصل إلى حل في المدى المنظور، أن "انفجارا" قادم، لابد أن يكون، لا محالة، لكن إسرائيل، التي تقرأ ما هو أمام انفها فقط، والتي تقوم حكومتها بتحديد سياساتها وفق تقاريرها الأمنية فقط، ظلت تظن أنه يمكن احتواء الموقف، ومنع اندلاع ثورة فلسطينية جديدة، من خلال فصل غزة عن الضفة، ومن خلال - فقط - توفير رواتب الموظفين.
نسيت إسرائيل بأن الفلسطينيين خلال الفترة من 67 - 87، كانوا يتمتعون بأحوال معيشية جيدة، ورغم ذلك، وبعد سنوات قليلة من إبعاد الثورة عن الحدود الإسرائيلية، إلى المنافي، في تونس، ليبيا، السودان والجزائر، اندلعت الانتفاضة، وإن كل الظروف مهيأة الآن، لانتفاضة ثانية أو ثالثة، ليس هذا المهم، المهم أن صاعق التفجير - فقط - واللحظة التي لا يمكن لأحد أن يتوقعها، هي ما ينقص المعادلة القائمة.
وهذا الصاعق، وكما قلنا، في مقالات سابقة، قد يكون إضراب الأسرى، قد يكون حادثة دهس، كما حدث في انتفاضة العام 87، أو استفزازا في القدس كما حدث العام 2000، أو أي شيء من هذا القبيل، لكن انتفاضة العام 2014 أو العام 2015، لن تكون تكراراً لمواجهة العام 2000، وهي ستحدد وجهتها جيداً، ضد الاحتلال والمستوطنين على أرض الضفة الغربية والقدس، وستكون شعبية، موحدة، لن تقتصر على أهالي الضفة، بل وستشارك غزة، والشتات، بل وأبعد من ذلك قد تكون حافزاً، لوحدة الشعوب العربية المأمولة، حيث إن شعوب المنطقة قد تختلف على أي شيء، إلا "الحرب" مع إسرائيل، فهي توحد الجميع.
خلال بضعة أيام تبين لكل من يمكنه أن يرى أبعد من أنفه، أن الانتفاضة الجديدة ربما تكون قد اندلعت، بعد إقدام الإرهاب الاستيطاني، المحمي والمكفول من الإرهاب الاحتلالي، بخطف ومن ثم قتل وإحراق جثة الفتى محمد أبو خضير، حيث سرعان ما تحولت الواقعة الإجرامية إلى شرارة أطلقت الغضب الفلسطيني الكامن في كل مكان من الضفة الغربية وقطاع غزة.
أهم مظهر لهذه المواجهة، أنها ستكون بين الفلسطينيين والمستوطنين، ولم لا والاستيطان هو المظهر الاحتلالي الأسوأ، والأشد قهراً، وهو نتيجة الاحتلال وهدفه الرئيس، وبالنسبة للفلسطينيين، سكان الأراضي المحتلة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، فإن العدو المباشر هو المستوطنات، لأنها نتيجة الاحتلال التي تحمل في طياتها، فكرة ديمومته وبقائه، وهي اشد إيلاما للفلسطينيين من أفراد وعناصر الجيش، الذين مهما أقاموا من حواجز، فهم راحلون في يوم من الأيام، فيما المستوطنون، بوجودهم يحققون كل أسباب عداء المواطنين الفلسطينيين لهم، بدءا من مصادرة أراضيهم لإقامة مستوطناتهم عليها، ومن ثم أراض إضافية للشوارع التي تربطها بإسرائيل، وليس انتهاء بكل أشكال التنكيل بالفلسطينيين، حين يعتدون على مزروعاتهم، وكل ما يخصهم، وبذا فان "الحرب" بين الفلسطينيين والمستوطنين، لن تتوقف إلا بتفكيك المستوطنات، التي تمنع إقامة الدولة الفلسطينية، وإلا بإنهاء الاحتلال، والاستيطان أخطر مظاهره وأهدافه ونتائجه.
Rajab22@hotmail.com 90

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد