إسرائيل تشتري نفط داعش المهرب وتبيعه لدول أخرى
القدس / سوا/ كشف تحقيق عن عملاء ومافيات وشبكات تتولى تهريب النفط العراقي والسوري من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مرورًا بكردستان وتركيا وصولًا إلى إسرائيل، حيث تتولى الأخيرة تكريره وبيعه من جديد لدول أخرى في المنطقة.
وتعتبر بحسب تحقيق نشرته صحيفة "العربي الجديد" السبت، تجارة النفط المستخرج من الحقول العراقية والسورية التي يسيطر عليها داعش، أهم مصادر التمويل للتنظيم، إذ يدر عليه عشرات الملايين من الدولارات شهريًا.
ويروي التحقيق تفاصيل عملية نقل النفط منذ بدء استخراجه من الحقول العراقية والسورية التي يسيطر عليها التنظيم، ونقله بصهاريج في الليل فقط، وفي معظم الحقول، يمنع التنظيم اصطفاف الحافلات، بل يدخلها واحدة تلو الأخرى، كإجراء أمني، ويشرف على ملف تصدير النفط من مناطق داعش شخص يدعى أبو محمد المغربي، وتولى المهمة بعد مقتل أبو سياف، في عملية للجيش الأميركي في شهر أيار/مايو الماضي.
الخروج من مناطق داعش
ينتج تنظيم داعش يوميًا نحو 30 ألف برميل، ينقلها خارج مناطقه بالتعاون مع عصابات وسمسار نفطي يعمل لصالح إسرائيل، ويروي تحقيق "العربي الجديد" عن عقيد في الجيش العراقي رفض الكشف عن اسمه أنه "بعد استخراج النفط وتحميله، تتجه الشاحنات أو الصهاريج المحملة بالنفط إلى خارج نينوى وتحديداً إلى الشمال حيث مدينة زاخو التي تبعد 88 كم عن الموصل من (نقطة خروج الصهاريج)، وزاخو مدينة كردية تابعة لإقليم كردستان تتصل مباشرة مع محافظة شرناخ التركية.
يتابع الضابط العراقي رفيع المستوى، "بعد وصول الصهاريج وعددها في كل مرة بين 70 إلى 100 صهريج محملة بالنفط التابع لداعش، تكون بانتظارها مافيات تهريب النفط، وهي خليط من تجار أكراد سوريين وأكراد عراقيين فضلاً عن أتراك وإيرانيين، ويمنح المسؤول عن شحنة النفط حمولة الصهاريج للجهة التي تقدم أعلى سعر، وهي عملية معقدة يطول شرحها لكن تكفي الإشارة إلى أن التنافس بين المافيات هناك وصل إلى مستويات متصاعدة، فعمليات الاغتيال المتبادلة قائمة بينهم، وبين فترة وأخرى نسمع عن مقتل أحد الزعماء بينهم".
ويوضح مصدر "العربي الجديد" أن "التنظيم لا يبيع لإسرائيل مباشرة، بل إلى السماسرة. لكن في الوقت نفسه لا يهمه لمن تصل البضاعة في النهاية وأين يكرّر النفط. كذلك لا يهم التجار الإسرائيليين مصدر هذه البضاعة، وإنما سعرها الرخيص".
ويضيف الضابط العراقي رفيع المستوى "بعد احتساب كمية النفط، ممن رسا عليه المزاد، يتسلم المسؤول جزءاً من المال، وفي العادة يكون ربع القيمة أو نحو 10% منها وتكون بالدولار، لتسلم بعدها بقية القيمة بطريقة أخرى، وهنا يترجل سائقو الصهاريج القادمون من مناطق سيطرة تنظيم داعش، ويتم تسليمهم صهاريج أخرى فارغة كي يعودوا بها، بينما يأخذ سائقون جدد يملكون تراخيص وأوراقاً رسمية تلك الصهاريج، وتتم العملية عادة على مشارف مدينة زاخو وفي مناطق مختلفة غير ثابته يتم الاتفاق عليها مسبقاً بواسطة الهاتف.
في الأثناء، تقوم شبكات تهريب النفط بإدخال النفط الخام إلى محطات تكرير بدائية، عبر تسخين النفط الخام ثم إعادة تحميله إلى منفذ إبراهيم الخليل، بسبب أن الحكومة التركية تمنع دخول النفط الخام غير المجاز من قبل السلطات العراقية (الذي يحمل ختم شركة سومو العراقية النفطية)، إلى أراضيها، لكن هذا النوع من النفط بعد إدخاله ما يعرف بمرحلة التكرير الأولي يدرج ضمن مخلفات التكرير، إذ تقوم محطات التكرير (أهلية خاصة غير حكومية) بطباعة إيصالات وأختام تثبت ذلك على أنه مخلفات، للتحايل على إجراءات الحكومة التركية الأمنية، وفي هذه الحالة يسمح بدخوله عبر المنفذ".
ويبين الضابط أن "الحدود التركية العراقية تحكم بقبضة حديد من قبل الجيش التركي وهناك طائرات مسيرة ودوريات مراقبة والحديث على أن النفط يخرج من منطقة كافي وآغا الجبلية غير صحيح".
ويضيف الضابط العراقي "بعد تسخين النفط وطباعة إيصالات مختومة، تتجه الصهاريج إلى المنفذ وهناك تدخل في بوابة منفردة تم افتتاحها مؤخراً لتجنب ازدحام المنفذ، حيث تصطف شاحنات النفط ومشتقاته في ذلك الخط بعيدة عن شاحنات البضائع وحافلات نقل المسافرين، وهذا كله بتنسيق يشوبه فساد مالي كبير بين عصابات تهريب النفط المحلية في العراق ومحطات التكرير أو التحضير كما يعرف اسمها، لتدخل بعدها تلك الشاحنات النفطية إلى تركيا، وتحديداً بلدة "سلوبي" التركية حيث تصل الشاحنات إلى هناك وتقبض شبكات التهريب المحلية في العراق مقابل أتعابها، من خلال شخص يدعى الدكتور فريد أو حاجي فريد أو العم فريد، وهذه الأسماء هي المتداولة لإسرائيلي يحمل الجنسية اليونانية يبلغ من العمر نحو 50 عاماً ويمتاز بحذر شديد في تحركاته وتنقله من مكان إلى آخر برفقة اثنين من الشبان ضخام البنية بسيارة من طراز جيب شيروكي سوداء اللون".
وبسبب خطورة التقاط صورة حاجي فريد، عمدت "العربي الجديد" إلى نقل ملامحه عبر مصادرها، على شكل رسم.
يتابع الضابط العراقي "هنا لا بد من الإشارة إلى أن النفط الكردي يختلط مع نفط داعش بعد وصوله الأراضي التركية ويباع ضمن مصنف (نفط غير شرعي) أو (نفط مجهول النسب)، وهناك من يطلق عليه (نفط غير مرخص)، إذ تعتبر عملية تصدير النفط من كردستان العراق واحدة من أعقد المشاكل الحالية بين بغداد وحكومة أربيل سياسياً واقتصادياً".
وتضطر حكومة كردستان العراق إلى تصدير نفطها إلى تركيا وبيعه لدفع مرتبات موظفيها، إذ ترفض بغداد دفع الرواتب منذ فبراير/ شباط 2014 وحتى الآن. وبحسب مصدر "العربي الجديد" رفيع المستوى، فإن نفس الشركات التي تشتري نفط داعش هي من تشتري نفط كردستان العراق أيضاً.
عادة ما يستخدم الأمن العراقي مصطلح شبكات التهريب للدلالة على شبكات بيع النفط العراقي المهرب، إذا كانت محلية، ومصطلح مافيا إذا كانت تضم عناصر عراقية وإيرانية وتركية، فيما تطلق قوات البشمركة الكردية عبارة (قجغ) على تلك الشبكات وتعني مهربي الممنوعات.
الحلقة المفقودة
في يوم ممطر من شتاء العام الماضي، عثر سكان محليون على أطراف مدينة الموصل العراقية، على جثة رجل في نهاية العقد الرابع من العمر، قيل إن اسمه ناجي ويلقب بناجي العراقي، ويحمل جواز سفر عليه أختام لمطارات ومنافذ دولية مختلفة، من بينها إيران واليونان وتركيا، والأغرب من ذلك مطار دمشق الدولي، في سبتمبر 2014.
وخلال عملية البحث والتقصّي عن موضوع تهريب النفط تردد نفس الاسم في إحدى البلدات التركية عن "ناجي العراقي"، أو ناجي الذهب، الذي كان على ما يبدو، عميلا مزدوجا بين جهاز مخابرات مجهول وبين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، بسبب موقعه كدليل ومنسق لشحنات النفط. وتبين أن العراقي قتل من قبل التنظيم، بسبب اكتشاف أمره، بحسب مصادر "العربي الجديد".
الطريق إلى إسرائيل
بعد انتهاء عملية بيع نفط داعش، بسعر يتراوح ما بين 15 دولاراً أميركياً إلى 18 دولاراً أميركيا، يتم دفع أجور سائقي الصهاريج ورشاوى تقدم إلى حلقات تسهيل عملية النقل، وتصل قيمة المبالغ التي يحصل عليها التنظيم من عملية بيع النفط شهرياً إلى 19 مليون دولار، بحسب مصادر "العربي الجديد"، وسجل التنظيم أعلى معدل بيع في شهر فبراير/ شباط الماضي إذ بلغ نحو 35 مليون دولار في الشهر.
عقب انتهاء عمليات البيع، تبدأ رحلة انتقال النفط العراقي إلى إسرائيل، من خلال العم أو الدكتور فريد، والذي يتمثل دوره الرئيسي كسمسار نفط، في التنسيق بين مافيات النفط التي باتت مالكة للنفط وبين الشركات، إذ يتخذ الدكتور فريد من مكتب مرخص للتبادل التجاري غطاء له، للتواصل مع الشركات الثلاث الرئيسة التي تستقبل نفط داعش، والتي تحتفظ "العربي الجديد" بأسمائها وتفاصيل تجارتها المحرمة في نفط داعش، إذ تقوم تلك الشركات، والتي يدعم إحداها مسؤول غربي كبير، بشراء النفط (في العادة تتنافس الشركات وتحصل واحدة منها على الشحنة القادمة) وتقوم بنقله عبر ثلاثة موانئ تركية؛ وهي ميناء مرسين وميناء دورت بول والثالث ميناء جيهان، لكن الأخير بشكل أقل لارتفاع رسوم التصدير منه لكنه يستخدم بحالات مختلفة مثل رداءة الطقس في الميناءين أو ازدحامها، وهنا تبدأ رحلة جديدة عبر ناقلات النفط التي تقوم بنقله عادة إلى إسرائيل التي باتت المستقبل الرئيس بالمنطقة لجميع النفط المهرب أو غير الشرعي منذ مطلع العام الماضي على وجه التحديد، لتتفوق بذلك على مصفى إيطالي أهلي ظل لسنوات صاحب الامتياز في هذا المجال، كما وثقت "العربي الجديد" عبر مصادرها المتطابقة.
أخيراً يرسو نفط داعش في ميناء أشدود الإسرائيلي، حيث يستقر النفط هناك، وتنال دولة الاحتلال الإسرائيلي شحنات النفط العراقي والسوري، باتفاق مسبق مع الشركات الثلاث العاملة في المجال، وبعد أن يدخل النفط إلى مصافي تكرير إسرائيلية تقوم باستخدام جزء للاستهلاك المحلي والآخر يصدّر إلى دول المتوسط.
تجدر الإشارة إلى أن "العربي الجديد" اكتشفت أكثر من سمسار يعمل في نفس مجال الدكتور فريد، إلا أن الأخير أكثر الأشخاص نفوذاً وفاعلية في مجال التهريب النفطي.
إعادة التصدير من إسرائيل
يكشف مسؤول في شركة نفط عالمية لـ"العربي الجديد" أنه "وبسبب امتلاك إسرائيل مصافي نفط غير متقدمة تقوم بتكرير النفط لمرة واحدة فقط، تستخرج منه مادة أو اثنتين من المشتقات النفطية، بعدها تقوم بإعادة تصدير النفط مرة أخرى إلى دول البحر المتوسط، وعبر هذه الطريقة، يكتسب النفط صفة رسمية لدى الدول التي تقوم بشرائه، بأسعار تراوح بين 30 إلى 35 دولاراً للبرميل الواحد".
خلال ذلك، ووفقاً للمسؤول النفطي الأوروبي، "يباع النفط خلال يوم أو يومين لشركات ومصانع محلية خاصة وتستحوذ مصفاة إيطالية يملكها أحد أهم المستثمرين في نادٍ إيطالي لكرة القدم على أغلب تلك الشحنات وتنتهي هناك بالتكرير وتستخدم في الاستهلاك المحلي".
ويؤكد المسؤول في شركة النفط العالمية لـ"العربي الجديد" أن "إسرائيل باتت الجهة التي تتبنى تسويق نفط داعش بشكل أو بآخر ولولاها لما انتقل أغلب النفط المنتج من داعش إلى الخارج ولظل يراوح مكانه بين العراق وسورية وتركيا فحتى الشركات الثلاث ما كانت لتستقبله لولا وجود مشترٍ رئيس متمثل بإسرائيل.
ويرجع المسؤول ذلك إلى "خوف أو تحاشي كثير من الدول والشركات التعامل مع نوع كهذا من الصفقات أو التجارة النفطية على الرغم من السعر المغري، بسبب العقوبات الدولية والحرب العالمية، والتي تدور على التنظيم، فضلاً عن مسائل أخلاقية تتعلق بالحرب التي تدور في العراق وسورية، ويدفع ثمنها أبناء البلدين، إلا أن إسرائيل لا يعنيها أي مما ذكر من الأسباب السابقة" بحسب المسؤول النفطي.
استلام وتسليم
حتى الآن لم تثبت طريقة واحدة ثابتة لتسلم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أموال عائدات النفط، ومن خلال تتبع عدة خيوط داخل تركيا والعراق والأردن، توصل محررو التحقيق إلى أن التنظيم يتبع أساليب تشبه تلك التي تستخدمها مافيات دولية كبرى، وبعد أن يتسلم التنظيم ربع أو عُشر قيمة شحنة النفط نقداً، عند إيصاله إلى مدينة زاخو، يتسلم المبلغ المتبقي عن طريق حساب بنكي بأحد البنوك التركية الخاصة مسجل باسم شخصية عراقية مجهولة، تتم من خلالها عملية إيداع الأموال في حسابه بعد دفع إحدى الشركات الثلاث المتعاملة في نفط داعش قيمة شحنات النفط المشتراة، عن طريق الدكتور فريد، وعادة ما تحول الأموال إلى التنظيم في الرقة والموصل من خلال دفعات تحويل مالية عبر شركات صرافة أهلية بأسماء مختلفة.
طريقة أخرى تتم من خلال عملية شراء سيارات وتوريدها للعراق بأموال النفط تلك ومن ثم يقوم معتمدون لدى التنظيم في بغداد ومدن جنوب العراق ببيعها ونقل أموالها لصالح التنظيم بطرق مختلفة، لتستمر دورة حياة نفط داعش وموت العراقيين والسوريين في حرب التنظيم على أهل البلدين بالتعاون مع مافيات التهريب ودولة الاحتلال المستورد الأول لنفط داعش.
داعش يرد
تواصل محررو التحقيق عبر برنامج الاتصال، سكايب، مع أحد المقربين من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في مدينة الرقة السورية للتعليق على بيع الخام لإسرائيل، فأجاب "للإنصاف التنظيم يبيع النفط من أراضي الخلافة، ولا يستهدف بيعه إلى إسرائيل أو أي دولة أخرى، لكنه ينتج ويبيع عن طريق وسطاء ثم شركات هي من تحدد لمن تبيع، والكلام على أن داعش يبيع لإسرائيل فيه تجنّ وظلم كبير له، كما أنه وصف غير صحيح" على حد قوله. ويضيف "هناك منتجات عربية تصل إلى إسرائيل، تنتمي إلى دول ليس لها علاقة معها، عبر طرق مختلفة، فهل يقال إن الدولة العربية الفلانية تبيع لإسرائيل؟".