تواترت الأخبار فجأة حول الهجمات التي وقعت في باريس لتنقل المشهد الإعلامي من ساحة الصراع العربي إلى فرنسا، واحتجاز الرهائن في باتاكلون ومطعم لوكارون ولوبيت كامبودج ومناطق أخرى في العاصمة، ثم الإعلان عن مقتل العشرات من المواطنين ومنفذي تلك الهجمات، الأمر الذي يدفع بالتساؤل: هل انتقلت المعركة إلى أوروبا مجدداً؟ وما الذي يدفع منفذي تلك العمليات بالتضحية بأرواحهم؟ ولماذا باريس تحديداً؟

ولا بد من طرح العديد من القضايا كي يتم تحليل الأمور بشكل أكثر اتزاناً وبعيداً عن العواطف. ويجب أن تبدأ تلك الأسئلة في البحث عن موقف السياسة الغربية تجاه المنطقة العربية وشمال إفريقيا، ثم موقف فرنسا تحديداً من الثورات المضادة التي تلت ثورات الربيع العربي، وموقفها من القضية الفلسطينية.

ربما تشكلت أحلاف جديدة تلت الثورات العربية حتى على صعيد نظام الأحلاف العالمي. فبعد الثورة السورية والثورة المصرية المضادة تغيرت المواقف والقوى، وصار الانفجار قاب قوسين أو أدنى. وإن فرنسا التي تعتبر أحد أدوات الإمبريالية الأمريكية في المنطقة العربية رغم أنها إحدى الدول الكبرى والعضو في مجلس الأمن الدولي، هي من تقف ضد بشار الأسد الحليف الاستراتيجي لروسيا وإيران وحزب الله، وفي ذات الوقت تمارس القتل وإعمال الدمار في سكان سوريا بحجة محاربة داعش التي تهدد أمنها القومي. وهو ما يوضح شيزوفرينيا العلاقات الغربية المتشابكة بحثاً عن مصالحها في مستنقع الدم. ولذلك فالقول إن المعركة قد تنتقل مجدداً لأوروبا أمر وارد خصوصاً في ظل التمدد الجيوسياسي لحملات الهجرة العربية إليها، فهؤلاء المهاجرين الذين فروا من القتل والتعذيب ثم حصلوا على إقامات في أوروبا يعانون ويلات جلد الذات في ترك عوائلهم تموت بسبب الصواريخ الروسية والفرنسية والبريطانية والأمريكية. وإن انتقال المعركة من المنطقة العربية مسألة وقت لا أكثر، فما جرى قبل أكثر من عقد من الزمان في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض السفارات الأمريكية في إفريقيا وغيرها سيتكرر وربما بشكل أكبر مما شهدته تلك البلدان، لأن التطرف جاء نتاج حالة العداء الغربي للديموقراطية العربية التي عبثت بأمن المنطقة منذ عقود وسمحت للعسكر مؤخراً أن ينقبلوا في مصر واليمن وليبيا ويوغلوا في سوريا وهو ما جعل الشباب أن تفكر بالانتقام من هذه الدول التي لطالما عملت وما زالت على تقسيم المنطقة وتفتيتها.

أما عن كون الاستهداف هذه المرة لباريس، فهو مؤشر خطير، يوحي أن الهجمات جاءت في أماكن متعددة وفي وقت واحد مما يؤكد دقة التنفيذ وتعقيد الهجمات وهو ما يرسخ أن منفذي تلك الجماعات ليسوا جماعات فردية وإنما يحكمها نظام مأسسي وعقول مدبرة قوية، وعن أسباب تلك العمليات، فربما يكون ذلك بسبب ضرب مناطق الدولة الإسلامية في سوريا بشكل كبير، وموقف فرنسا السلبي تجاه القضية الفلسطينية، لتشكل تلك العمليات الرسالة بالاستعداد للرد والانتقام من أن هذه الجماعات التي يقطن بعض أنصارها في أوروبا.

ولذلك فإن على فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية العمل على إطفاء الحرائق بالمنطقة العربية لأنهم وحدهم من أشعلها، وهم القادرون على إيقاف تمددها الذي سيطالهم اليوم أو غداً، وذلك من خلال سحب قواتهم من المنطقة العربية، والعمل على إعادة الوحدة القُطرية والمحلية في مصر وسورية واليمن وليبيا وفلسطين وعدم التدخل في شؤون تلك الدول. كذلك فإن على هؤلاء الضغط على إيران وروسيا بالانسحاب من المشهد السوري واليمني كي لا تجد روسيا نفسها في ذات المأزق الذي تعيشه فرنسا اليوم حتى يتوقف سيل المهاجرين الذين يحمل كثير منهم التطرف والإرهاب.

وختاماً، فإن مشروع الوحدة العربي قد يتحقق مع كل هذا التشرذم في حال رفعت أمريكا والغرب أيديها عن المنطقة العربية. كذلك فإنه مالم يتم إيجاد حل عاجل للقضية الفلسطينية وتحقيق مشروع الدولة الفلسطينية ورفع الحصار عن قطاع غزة ، و فتح المعابر فإن أوروبا ستجد نفسها في مأزق كبير، لأن طباخ السم لا بد وأن يتذوق طعامه المسموم ومن افتعل هذا الدمار سيجد نفسه في ذات الدائرة.

السياسة الفرنسية والغربية يجب أن تتحلل من الأجندة الصهيوأمريكية لأنها لن تكون في صالح شعوبها وإنما نحو مزيد من العداء والكراهية في ظل تنامي التمدد الجيوسياسي العربي في شتى أصقاع العالم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد