rn
لمجرد انك فلسطيني فأنت تبعث عند المغاربة الشعور بالأخوة وتثير لديهم مشاعر التضامن والمحبة.
ولمجرد انك فلسطيني فأنت شقيقهم واقرب الناس اليهم. لم يستغربوا وجودنا في مدنهم الجميلة، الدار البيضاء والرباط وفاس ومكناس لكن دهشتهم كانت كبيرة بوجودنا بينهم في الرشيدية وأرفود وأبو ذنيب حيث الصحراء والواحات وحيث الحياة العربية على أصالتها وبساطتها وعلى سجيتها.
حتى وان كان للصحراء المغربية في هذه المناطق جمالها الأخاذ وتاريخها العريق وموروثها الوطني والثقافي الخاص الا ان المغاربة فهموا ان زيارتنا لهم في تلك البلدان البعيدة عن المدن الكبيرة لا بدّ وان لها أسباباً خاصة بعيدا عن الجولات السياحية التي يقوم بها الأجانب الغربيون فيها، سيما وان الصحراء تلف الجسد العربي من كل جانب.
كانت سعادتهم لا توصف بالكلمات .. فقد كان يحتاج الأمر الى توثيق ملامحهم التي يغمرها الفرح والدهشة والزهو حين عرفوا بأننا أتينا لزيارة مزارع النخيل في الواحات ومن اجل ان نضع بين ايديهم معارفنا الزراعية الخاصة بنخيل «المجهول»، اي الموطن الأصلي لهذه التمور الفاخرة.
هؤلاء الأشقاء أناس طيبون، يحبون بلادهم وينتمون لترابها عن طيب خاطر وعن بداهة وتلقائية لا تجدها إلا في أسرار العلاقة التي تربط ما بين الطيور وأعشاشها وفراخها او تلك العلاقة التي تحيّرك وانت تلاحق سرباً من الحمام وهو يدور في الفضاء من حول حبات القمح وسنابلها في مواسم الحصاد.
المغاربي ليس لديه اي مشكلة في هويته وانتمائه بقدر ما ان لديه مشكلة في الافتقاد الى نفس هذه الدرجة من الانتماء والى نفس الدرجة التي لديه من التصالح مع الذات في المحيط الذي يعيش فيه. ذلك مفهوم الدولة والهوية لدى المغاربة مفهوم راسخ وناضج، والمغربي يدرك بعمق مفهوم المصالح الوطنية العامة، وهو يدرك جيداً الفرق بين الحاجات والإمكانيات والطموحات، لهذا تراه يعوّل على التراكم الإيجابي ويؤمن بحتمية التقدم.
المغاربة يراهنون بانهم قادرون على العبور الى المستقبل وهذه المراهنة بحد ذاتها هي مخزون هائل للأمل.
الدولة المغربية تبث فيهم روح هذا الأمل وهي تجتذب الكثير من المستثمرين الأجانب والعرب وتقدم لهم من الحوافز والتشجيع في كل القطاعات الاقتصادية ما لم نلمسه بعد في اي من البلدان العربية والمحيطة.
لم أكن أتوقع كما لم يكن احد من زملائي الذين رافقتهم في هذه الرحلة الرائعة الى المغرب يتوقع بأن يكون لدى دولة عربية هذه الدرجة من النضج وهذه الدرجة من الانفتاح وهذه الدرجات من التحفيز الاستثماري وعلى هذا المستوى من المؤسساتية والقانونية.
لم يكن لدينا بصراحة ما يكفي من القناعة بأن بلدا عربيا قد وصل الى هذا المستوى الرفيع من امتلاك الرؤية وبعد النظر والمراهنة على المستقبل بأدوات الحاضر القائم.
عندما حدثنا سفير المملكة المغربية في بلادنا سعادة الأستاذ احمد الحمزاوي عن السياسات التنموية المغربية وخصوصا في القطاع الزراعي كنا ما نزال نخشى ان الأمر يتعلق بنوع من التبشير بتلك المرحلة، لكننا فوجئنا - لحسن الحظ - بأن الأمر في غاية الجدية وفي غاية الوضوح والشفافية والمؤسساتية.
فوجئ المغاربة بأننا نعرف كل الذي نعرفه عن شجرة المجهول، وفوجئوا اكثر عندما تذوقوا طعمها وسعدوا اكثر عندما عرفوا باننا نرغب بتقديم هذه المعرفة لهم وان لدينا الاستعداد التام للعمل معهم.
وزير الفلاحة المغربي الذي تشرفنا بزيارته للركن الفلسطيني من المعرض الذي كنا فيه في بلدة ارفود رجل ثري وسخي وله هيبة كبيرة وحضور خاص، لكنه ثري ليس على حساب بلاده وانما لحسابها وهو رجل محبوب من الناس ويحظى بثقة الجهات الرسمية العليا كافة، ولكنه يحوز على ثقة الناس ايضاً.
وقابلنا طبعا مئات الناس الطيبين وقابلنا عشرات الشخصيات الفاعلة ومن ذوي الخبرات والكفاءات، فماذا وجدنا؟
الترحيب بفلسطين على كل لسان حبّ صادق لشعبها وكفاحه وصبره ومثابرته والاستعداد التام واللامحدود للعمل مع المستثمرين والخبراء الفلسطينيين والتعاون لتمويل منطقة الرشيدية الى واد اخضر يكتظ بغابات النخيل.
يمكن في غضون عقدين قادمين فقط ان يتحول المغرب الى الدولة الأولى في العالم في زراعة هذا النخيل، ونرى انه سيتمكن من إنتاج اكثر من خمسين الف طن من هذا المنتج الذي اصبح اليوم واحداً من السلع الشهيرة على مستوى العالم اجمع.
ليس هذه مجرد تمنيات بل هي طموحات مشروعة اولاً وواقعية ثانيا وممكنة ثالثا.
اما همة المغاربة لتحقيق أهداف وطنية تنموية كبيرة فهي همة عالية وثقتهم بأنفسهم أعلى.
في المغرب روح جديدة تدب في كل ركن من أركانه وفي المغرب سياسات تنموية يبدو انها ستنقله الى مصاف الدول الصاعدة.
المغرب يشمر عن ذراعه لمرحلة جديدة واعدة وصاعدة. وقد تكون المغرب هي المفاجأة السارة في هذا الزمن العربي الرديء وذلك لما تحظى به من استقرار ولما لدى قيادتها من طموحات وسياسات.
يبدو ان قطار المغرب الجديد قد انطلق فعلا، فقد سمعنا صفيره في ذلك الوادي الساحر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية