rn

ما يجري لدى المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يثلج صدر كل فلسطيني وكل عربي، فهؤلاء سطروا صفحة مضيئة في تاريخ الشعب الفلسطيني المعاصر بتلاحمهم ووحدتهم التي تشكل أنموذجاً يجب أن يحتذى. فعلى الرغم من وجود تيارات سياسية وأيديولوجية وفكرية وثقافية مختلفة إلى حد التناقض في بعض الأحيان، وعلى الرغم من محاولات التخريب التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية في قلب المجتمع الفلسطيني هناك على غرار التقسيم على أساس ديني وإقليمي حيث يقسمون إلى عرب ومسيحيين وبدو ودروز، والتقسيم على أساس مواطن إسرائيلي صالح (خاضع لأسرلة ناجحة) وغير صالح لم يتأسرل بعد، استطاعوا أن يوحدوا صفوفهم في قائمة واحدة في الكنيست ( البرلمان) الإسرائيلي وهم ينتمون للتيارات من الشيوعية حتى الأصولية الإسلامية، على قاعدة هموم المواطن الفلسطيني. وأخيراً خطوا خطوة متقدمة إلى الأمام بانتخاب رئيس للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية للمرة الأولى، حيث انتخب محمد بركة رئيساً لها، وهي عملية تعبر عن رقي ومستوى متقدم من الوعي أولاً بمصالح المواطنين الفلسطينيين اليومية وبالقضية الوطنية عموماً، فهذه اللجنة هي الإطار الجامع لكل التيارات السياسية والمجتمعية الفلسطينية في إسرائيل. ومن المتوقع أن يتطور تمثيل اللجنة لتضم في صفوفها كل القطاعات لتكون انعكاساً حقيقياً لتنوع المجتمع سياسياً وفكرياً واجتماعياً وقطاعياً ومهنياً وثقافياً كإطار جامع يساهم في معالجة كل القضايا التي تهم المواطنين.

rn

هذه التطورات النوعية التي تجري في الداخل لا بد وأن تلقي بظلالها على الوضع الفلسطيني برمته ليس فقط بخصوص قضايا المواطنين الخاصة بهذا القسم من الشعب الفلسطيني وهي قضايا متنوعة منها الحياتي اليومي ومنها السياسي الذي يرتبط بالانتماء الوطني والتمييز الواقع ضدهم على هذه الخلفية، وإنما كذلك على مستوى السياسة الإسرائيلية تجاه القضية الوطنية. فكتلة واحدة كبيرة في البرلمان يمكنها أن تكون مؤثرة ليس فقط في إسماع صوت الجماهير ومواقفها بل وأيضاً في إحداث تغيير في مواقف قطاعات من المجتمع الإسرائيلي، وهذا مرتبط باعتماد لغة حوار عقلانية مع المجتمع الإسرائيلي بعيدة عن الخطاب الاستعراضي المنفر. وأعضاء الكنيست الفلسطينيون لديهم منبر مهم لمخاطبة الجماهير الإسرائيلية وتوعيتها بمخاطر السياسات التي تنتهجها الحكومة المتطرفة التي تجر إسرائيل نحو الهاوية ونحو صراع لا ينتهي. كما ان لجنة المتابعة العليا بإمكانها أن تسلط الضوء على ما يعانيه الفلسطينيون في الداخل والتجند لدعم نضال شعبنا في الأراضي المحتلة في مواجهة الاحتلال وإجراءاته القمعية والعنصرية.
هذه الخطوات المباركة التي أقدمت عليها القوى السياسية والمجتمعية في الداخل ينبغي أن تجعلنا نستلهم درساً في كيفية الارتقاء بمستوى كفاحنا نحن في مواجهة الاحتلال ، وفي إطار صراع البقاء الذي نخوضه ضد الاستيطان المجرم. وبالذات في ضوء هذه الهبة الشعبية، التي لم نتفق على توصيفها سواء أكانت حراكا أم هبة أم انتفاضة ثالثة . فخروج هؤلاء الشبان الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال دون قيادة الفصائل ودون أن يحرضهم أحد يتوجب أن يجعلنا جميعاً نسارع إلى حماية هذه الهبة وتأطيرها وتطويرها باتجاه يخدم قضيتنا العادلة. وفي هذا السياق على الجميع أن يترفع عن لغة التوجيهات والأوامر التي يتم من خلالها التعامل مع هؤلاء الثائرين، الذين يحتاجون إلى حاضنة وطنية مقنعة وليس إلى بيانات ودعوات، ويكفي أن ننظر إلى مستوى التعاطي مع دعوات الفصائل وخاصة في جمعات الغضب وغيرها لنرى أن الوضع هذه المرة مختلف. وخروج الشباب بهذا الشكل يعبر عن عدم قدرتهم على التكيف مع الواقع الاحتلالي وممارسات التهويد والاستيطان وابرزها ما يحدث في القدس المحتلة، وأيضاً عن كفرهم بواقع الحركة الوطنية التي تعاني من تفكك وانقسامات وترهل وغياب رؤية في كل ما يتعلق بالهم الوطني وحتى في الهموم اليومية لهذا الجيل الشاب.
فإذا كان هذا الحراك الشبابي القوي والمفاجئ لا يستدعي إجراء مراجعة شاملة في مجمل أوضاع الحركة الوطنية فمتى يحدث ذلك؟ ومن العيب النظر لما يجري باعتبار أن لا شيء يستحق الاهتمام وأن الحياة ينبغي أن تستمر على وتيرتها بنفس الشكل والآليات القائمة والتي ثبت عجزها. نحن بحاجة للمراجعة الفورية لما آلت إليه الأوضاع لدينا في ضوء هذا الأمل الجديد الذي يمثله هذا الجيل الشاب الذي لم يخبر الانتفاضات ولم يعش تجارب نضالية سابقة ولكنه ينغمس في تجربة جديدة لا بد وأن تكون لها خصائصها ومميزاتها وتشكل بحد ذاتها درساً كفاحياً مميزاً.
ومن مهمة القيادات أن تسعى فوراً إلى الاتفاق على رؤية وخطة عمل جديدتين تتناسبان مع المرحلة يكون في جوهرهما انهاء الانقسام ووضع برنامج للعمل الميداني والسياسي والدبلوماسي بحيث نستثمر هذه الهبة ونحقق أقصى ما يمكن من انجازات بناء على تضحيات هؤلاء الشبان المناضلين، وإلا فإن الجميع يخاطر بالدخول في حالة من الضياع والفوضى التي قد تقود إلى فلتان وغياب الإنجاز الوطني، وفي هذا السياق اعتقد أن الأفكار التي طرحها رئيس الوزراء السابق سلام فياض في مقاله «وداعاً للبكائيات» تستحق الدراسة والبحث وخاصة تلك المعلقة بكيفية انهاء الانقسام وتغيير الواقع في مناطق (ج) بعيداً عن الشعارات والدعوات، وهو يحاول إيجاد الأرضية لرؤية شاملة لتأطير العمل الكفاحي ميدانياً وسياسياً في إطار منظمة التحرير والوحدة الوطنية الشاملة لإنقاذ الوضع. وهذه دعوة للجميع للتفكير في آليات مناسبة للخروج من المأزق وللاستجابة لنداء الشباب. وليس مهماً تبني هذه الأفكار أو الموافقة على جميعها بل المهم هو التداعي لتشكيل رؤية جامعة تغير واقع الاحتلال وتحقق لشعبنا إنجازات ملموسة وتحمينا من مخاطر التمزق والانقسام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد