rn

كشفت الخلافات بين القيادتين الأردنية والفلسطينية العلنية حول تقييم التفاهمات التي أعلنها جون كيري فيما يتعلق بالمسجد الأقصى وجود أزمة في العلاقات بين قيادتي البلدين، وإذا لم تتم المسارعة إلى معالجتها من خلال عقد لقاءات على كل المستويات من القمة، وعلى صعيد وزيري الخارجية، يمكن أن تصل العلاقات إلى مأزق ليس في مصلحة الشعبين والقيادتين.

rn

وقد شهدت العلاقات بين القيادتين تحسنًا كبيرًا في مرحلة ما بعد التوقيع على "اتفاق أوسلو"، وبلغت المرحلة الذهبية في عهد الرئيس محمود عباس التي شهدت عقد الاتفاقية بينهما بخصوص مدّ الرعاية الأردنية للأوقاف الإسلامية إلى الأوقاف المسيحية، وفي اتخاذ موقف موحد من التعنت الإسرائيلي الذي أدى إلى إفشال كل المبادرات التي سعت إلى استئناف المفاوضات وإحراز تقدم، بما فيها إفشال مبادرة جون كيري، وتنصله مما جاء في الاتفاقات الفلسطينية – الإسرائيلية، ومعاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية، وكل التفاهمات التي تلتها بما يخص الحفاظ على الرعاية الأردنية للمقدسات.
ما سبق، انعكس بصورة أدت إلى تردي العلاقات الأردنية - الإسرائيلية إلى حد رفض العاهل الأردني تلقي اتصالات هاتفية عدة من قبل نتنياهو خلال شهر أيلول الماضي، لدرجة دفعت نتنياهو إلى إخبار لجنة "الخارجية والأمن" التابعة للكنيست بأن العلاقات مع الأردن مهددة بالتدهور أكثر ما لم تتم تهدئة الوضع في الأقصى.
كما تظهر متانة العلاقات الأردنية - الفلسطينية في القناعة المشتركة بعدم وجود إمكانية لحصول اختراق أو أي تقدم حقيقي في المفاوضات، حتى إذا استؤنفت إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة على الأقل، خصوصًا طالما كان نتنياهو في سدة الحكم في إسرائيل. وهذه نقطة في منتهى الأهمية يمكن البناء عليها.
ولعل المراوغة الإسرائيلية التي ظهرت في تفاهمات كيري أكبر دليل على ذلك، فقد جاءت مبهمة وتفسِّرها إسرائيل كما ترغب بما يؤكد سيطرتها، لأن الحفاظ على الوضع الراهن دون تعريفه بدقة كما جاء في الاتفاقيات يختلف عن العودة إلى الوضع التاريخي، ففي الوضع الراهن الذي كرسته التفاهمات أصبحت إسرائيل فيه شريكة في كل شيء، بما في ذلك تركيب الكاميرات، وأخذت الحق في السماح للزوار الذين هم ليسوا زوارًا، وإنما أصحاب مخططات عدوانية معلنة. أما في السابق، فكانت الأوقاف الأردنية هي التي تقرر وحدها من يدخل أو لا يدخل للصلاة أو للزيارة.
طبعًا، بدأ الخطأ الفلسطيني الفادح والأكبر منذ توقيع "اتفاق أوسلو" بكل ثغراته، بما فيها تأجيل البت في القضايا الأساسية، لا سيما القدس وما تتضمنه من مقدسات، إلى المفاوضات النهائية، ما ساعد إسرائيل على تغيير معالمها والادعاء بأنها أرض إسرائيلية، أو على الأقل أرض متنازع عليها.
إن الاعتداءات والاقتحامات للمسجد الأقصى بلغت ذروتها في العامين الأخيرين، في ظل شروع الحكومة الإسرائيلية في تطبيق التقسيم الزماني تمهيدًا للتقسيم المكاني، ومن ثم إلى هدم الأقصى وبناء "هيكل سليمان" بدلًا منه عندما تتوفر ظروف تسمح بذلك، وفق مخططات معلنة يتحدث حولها ويسعى لتنفيذها وزراء في الحكومة الإسرائيلية وأعضاء كنيست وقادة أحزاب ورجال الدين. وكل ذلك يوجب بلورة موقف أردني فلسطيني مشترك يمنع تكريس الوضع الراهن ويحفظ الأقصى.
هناك من الدلائل ما تشير إلى أن مصير التفاهمات الجديدة لن يكون مختلفًا عن مصير التفاهمات السابقة، بدليل استمرار الاقتحامات اليهودية للأقصى في الأيام الأخيرة بعد هذه التفاهمات، إذ اقتصرت التعليمات التي أصدرها نتنياهو قبل التفاهمات وأكدها بعدها على منع الوزراء وأعضاء الكنيست من زيارة الأقصى، في حين رفضت الحكومة الإسرائيلية قيام الأوقاف الإسلامية بتركيب الكاميرات لأنها تريد السيطرة على هذه العملية.
إن الأردن وفلسطين في مركب واحد، والحقيقة أن إسرائيل لا تريد أن تعطي الأردن الإشراف على الأقصى ليرفض الفلسطينيون ذلك، وإنما لا تريد أن تعطي الفلسطينيين ولا الأردنيين أي شيء؛ ما يتطلب بلورة موقف مشترك، يقوم بالدفاع عن عودة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن للتحكم بمن يدخل أو لا يدخل إلى الأقصى، على أساس أنه مسجد إسلامي وليس مكانًا متنازعًا عليه، لا سيما بعد استخدام كيري في مؤتمره الصحافي الذي أعلن فيه عن التفاهمات مصطلح "جبل الهيكل" ثماني مرات عند كل إشارة إلى الحرم الشريف.
جاء التزام القيادة الفلسطينية بما وقعت عليه مع الأردن بخصوص الرعاية الأردنية للمقدسات، لأنها تعتقد أن هذه الطريقة تساعد على حمايتها، ومنع تنفيذ المخططات الصهيونية إزاءها، ولكن من دون أن تتحول هذه الرعاية إلى نوع من إخراج المقدسات من كونها جزءًا من القدس التي هي جزء لا يتجزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي يناضل الشعب الفلسطيني بدعم من الأردن والعرب والعالم كله لفرض الانسحاب الإسرائيلي منها، وإقامة الدولة الفلسطينية (صاحبة السيادة) تجسيدًا للحق الفلسطيني، وللقرار الأممي الذي اعترف بالدولة الفلسطينية على هذه الأراضي، ما يوجب التنسيق الدائم بين القيادتين.
إن الصراع على الأقصى وبقية المقدسات الإسلامية والمسيحية ليس في جوهره صراعًا على العبادة وإنما صراع على السيادة، وعلى الفلسطينيين والأردنيين تفويت الفرصة على نتنياهو الذي يريد أن يحدث وقيعة بينهما.
في هذا السياق، تكتسب الموجة الانتفاضية التي اندلعت، وفي مركزها القدس، أهمية بالغة كونها أبرزت المخاطر التي تتهدد الأقصى والقدس، وساهمت في نوع من التراجع الإسرائيلي المحدود كونها أوضحت أن القدس محتلة، وكيف أن أَهلها لا يمكن أن يتعايشوا مع هذا الاحتلال. فانتفاضتهم والتضحيات التي يقدمونها دليل قاطع على أن الاحتلال لن يبقى إلى الأبد احتلالًا مربحًا لإسرائيل، بل يقترب الوقت الذي سيُصبِح فيه مكلفًا أو خاسرًا، وبصورة يصبح فيها الانسحاب وتفكيك المستعمرات الاحتلالية هو الحل الوحيد أمام إسرائيل.
إن الاستمرار بالتعلق بأوهام ما سمي "عملية السلام"، وانتظار نجاح المبادرات لاستئناف المفاوضات، والامتناع عن خوض المجابهة المفروضة من إسرائيل لم ولن يؤدي إلى الحفاظ على الوضع الراهن ومنع تدهوره، بل يساعد على حصول هذا التدهور.
يكمن الحل في اعتماد مقاربة سياسية جديدة من الأردن وفلسطين وكل العرب، تقوم على تعزيز مقومات الصمود والتواجد البشري الفلسطيني على أرض فلسطين، وعلى مجابهة مخططات إسرائيل لتغيير الحقائق على الأرض من خلال زيادة وتعميق الاستعمار الاستيطاني الذي يتوسع بشكل سرطاني وبمعدلات أكبر، سواء إذا كانت هناك "مفاوضات من أجل المفاوضات"، أو في ظل استمرار الوهم بإمكانية الحفاظ على الوضع الراهن بوجود المفاوضات أو عدمها.
إن محاصرة التمدد الاستعماري الاستيطاني تتطلب اعتماد إستراتيجية تأزيم متعددة الأشكال مسيطر عليها، تتجسد من خلال مقاومة بمختلف أشكالها، تحافظ على طابعها الشعبي، بما فيها توفير متطلبات اندلاع انتفاضة بأهداف واضحة وتنظيم وقيادة واحدة تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي، وتساهم في إطلاق - ولو بعد حين - عملية سلام جديدة مختلفة جذريًا عن "عملية السلام" التي انطلقت بعد "مؤتمر مدريد" وأدت إلى "اتفاق أوسلو" وما نحن فية حاليًا، على أن تكون لها مرجعية واضحة وملزمة، بحيث يكون التفاوض لتطبيق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ضمن سقف زمني قصير، وليس مفتوحًا إلى الأبد.
إسرائيل بسياستها الحاليّة ليست شريكًا في السلام، وإذا لم تدفع ثمن هذه السياسة غاليًا، فلسطينيًا وأردنيًا وعربيًا ودوليًا، لا يمكن أن تغيّرها، بل ستمضي قُدمًا لتحقيق أهدافها في فرض "إسرائيل الكاملة"، بحيث تتعزز الاتجاهات الإسرائيلية التي تريد حل المشكلة الفلسطينية عن طريق تصفيتها بالمزيد من المستعمرات والتطهير العرقي.
Hanimasri267@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد