لم يعد فلسطينيو الداخل في مناطق عام 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، مجرد رافعة معنوية وأداة تضامنية مع شعبهم في مناطق عام 1967، أبناء الضفة و القدس والقطاع، بل أصبحوا شركاء غارقين في وحل الشراكة نتيجة المعاناة والتمييز العنصري على أرض وطنهم، الذي لا يعرفون وطناً غيره، وبسبب تمسكهم العملي بالكفاح المدني المصحوب بالأمل نحو المستقبل المشترك للشعب الواحد بمكوناته الثلاثة أبناء 48، وأبناء 67، وأبناء اللاجئين بعودتهم من المنافي والشتات والمخيمات إلى بيوتهم التي طردوا منها وممتلكاتهم التي فقدوها، وصادرتها مؤسسات الدولة العبرية.

وجع الواقع العنصري المفروض عليهم، وأمل المستقبل الذي يسعون إليه هما العامل الموحد لدوافع الفعل النضالي التراكمي المدني متعدد الأشكال والأدوات الذي يقومون به في مواجهة الإقصاء والتمييز لتحقيق المساواة في مناطق 48، ولمواجهة الاحتلال لتحقيق الاستقلال لمناطق 67.
في 22/1/2015، حققت القوى السياسية العربية الفلسطينية الأربع خطوتها الأولى النوعية بالتوصل إلى تفاهم فاتفاق فائتلاف سياسي فيما بينهم أدى إلى نجاحهم البرلماني يوم 17/3/2015، عبر القائمة المشتركة بثلاثة عشر نائباً في البرلمان الإسرائيلي.
خلال يوم الأربعاء 21/10/2015، تولى أحمد الطيبي رئاسة البرلمان، كواحد من ثمانية نواب لرئيس الكنيست وفق النظام البرلماني المعمول به، فقام بطرد الوزير زئيف إلكين من قاعة البرلمان لأنه تجاوز حدوده، وهو موقف يُعبر عن شجاعة الطيبي وحزمه، ولكن موقفه جاء تعبيراً عن الحالة الموضوعية السائدة الجديدة نتاج انتخابات آذار 2015، والتي دللت على أن «إسرائيل» ليست وطناً لليهود فحسب، بل ثمة شعب آخر غير يهودي وغير صهيوني يقيم على هذه الأرض التي كانت تسمى فلسطين ولا زال اسمها فلسطين، ودلالاتها وجود عشرين بالمائة من سكانها هم أهل البلاد الأصليين من الفلسطينيين العرب المسلمين والمسيحيين والدروز وأحمد الطيبي هو أحدهم ويمثلهم مع باقي رفاقه من النواب العرب في البرلمان.
يوم السبت 24/10/2015 تم انتخاب القائد الفلسطيني محمد بركة رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، رئيساً للجنة المتابعة العليا للوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48، والمشكلة أساساً من 53 شخصاً يمثلون المكونات التالية : 1- نواب الكنيست العرب، و2- الأحزاب العربية، و3- 18 رئيس مجلس محلي، و4- عدد من الشخصيات والفعاليات المستقلة، واللجنة بمثابة مجلس سياسي لقيادة الفلسطينيين في مناطق 48 وتمثيلهم والدفاع عن مصالحهم، وبانتخاب محمد بركة كشخصية برلمانية وحزبية وقيادية مجربة تكون لجنة المتابعة قد تقدمت خطوة جوهرية إلى الأمام، فقد سبق للجنة منذ تاريخ تأسيسها أن تولت رئاستها شخصيات مستقلة محافظة كان أولهم المرحوم إبراهيم نمر حسين رئيس بلدية شفا عمرو، وثانيهم محمد زيدان رئيس بلدية كفر مندا، وها هي المرة الأولى التي يتولى رئاستها شخصية حزبية بمكانة محمد بركة ودوره، وهذا يجسد حالة النهوض السياسي النوعي لدى جماهير الداخل أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، ولدى قواهم السياسية الفاعلة بقبول التعددية والإقرار بنتائجها وخاصة من قبل طرفي الحركة الإسلامية التي يقود جناحها الأول رائد صلاح ويقود جناحها الثاني حماد أبو دعابس، وكذلك من قبل التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده جمال زحالقة، إضافة إلى القوى السياسية الأخرى الأقل شأناً وتأثيراً، وقبول أن يكون رئيسها، رئيس أحد القوى السياسية المنافسة، إنما هو تطور ديمقراطي ونوعي وشكل من أشكال تداول السلطة.
الإنجازات التنظيمية على صعيد الانتخابات، وتوسيع قاعدة الشراكة وتنظيم إدارة العمل الجبهوي الجماعي، ما هو إلا انعكاس لحالة التطور والوعي السياسي لهذا المكون من مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة : 1- أبناء 48، و2- أبناء 67، و3- أبناء اللاجئين، كونهم يعيشون في جوف الحوت الإسرائيلي وأكثر إدراكاً لمخاطره، وأكثر ضرراً من مساوئه، وأعمق خبرة في التعامل معه منذ سبعين عاماً.
h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد